شعار الموقع

شرح كتاب بدأ الخلق من صحيح البخاري (59-4)

00:00
00:00
تحميل
62

}3235{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ ابْنِ الأَْشْوَعِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ: لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَيْنَ قَوْلُهُ: [النّجْم: 8-9]{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ الأُْفُقَ.

}3236{ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، قَالاَ: الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ».

}3237{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ.

تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَأَبُو حَمْزَةَ وَابْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ.

}3238{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ فَتْرَةً فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَْرْضِ فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: [المدَّثِّر: 1-2]{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *} إِلَى قَوْلِهِ: [المدَّثِّر: 5]{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ *}».

قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ وَالرِّجْزُ الأَْوْثَانُ.

}3239{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلاً آدَمَ طُوَالاً جَعْدًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبِطَ الرَّأْسِ وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ [السَّجدَة: 23]{فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ}.

قَالَ أَنَسٌ وَأَبُو بَكْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَحْرُسُ الْمَلاَئِكَةُ الْمَدِينَةَ مِنْ الدَّجَّالِ».

 

هذه الترجمة وجدت في بعض النسخ وسقطت من بعضها والصواب إسقاط هذه الترجمة؛ لأن الأحاديث لا تعلق لها بالترجمة فكل حديث لا تعلق له بقول: «آمِينَ» فتكون تابعة للترجمة الأولى: «بَاب ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ» .

}3224{ في حديث عائشة قولها: «حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ» النمرقة ـ بضم النون ويقال: بكسرها ـ هي وسادة صغيرة فيها تصاوير.

قوله: «فَجَاءَ» أي: النبي صلى الله عليه وسلم «فَقَامَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ» يعني: أنكر على عائشة.

قوله: «مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ مَا بَالُ هَذِهِ الْوِسَادَةِ؟ قَالَتْ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا قَالَ: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»» هذا الحديث فيه: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة رضي الله عنها وجود التصاوير في وسادته، وجاء في حديث آخر عنها رضي الله عنها: «أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية» إلى قولها: «فأخذته فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت» [(563)] وجاء في حديث عن أبي هريرة: «أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فَمُر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، وُمْر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن، ومر بالكلب فيخرج» [(564)] ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك الكلب جروًا للحسن أو الحسين تحت نضد له فأمر به فأخرج. فهذا يدل على أن ما كان فيه تصاوير ويكون ممتهنًا لا بأس به.

أما حديث الباب فيحتمل أنه وهم من بعض الرواة أو أن هذا كان قبل إباحة الممتهن، وإلا فالأحاديث دلت على أن الصورة إذا كانت ممتهنة كالوسادة وما يفرش على الأرض فلا بأس بها ولا تمنع دخول الملائكة إنما الصورة التي تمنع دخول الملائكة الصورة المعظمة ـ كالتي تكون معلقة أو تكون في الثوب ـ واقتناء الصورة غير التصوير، فالتصوير لا يجوز مطلقًا.

والشاهد من الحديث: ذكر جبريل وذكر الملائكة وأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة.

وفيه: الوعيد الشديد على من صوّر الصور وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة ويقال لهم: «أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» . وهذا فيه تعجيز وإذلال؛ وفي لفظ آخر: «كُلّفِ أن ينفخ فيها وليس بنافخ» [(565)] وفي اللفظ الآخر: «أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» [(566)] وفي الحديث الآخر: «أن الله لعن المصور» [(567)]، وفي الحديث الآخر: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم» [(568)] وهذه الأحاديث كلها تدل على أن التصوير محرم ، وأنه من كبائر الذنوب؛ ومتوعد صاحبه بالنار واللعن.

وفيه: المضاهاة لخلق الله، ويؤمر بنفخ الروح فيها تعجيزًا له، وهو أيضًا من أسباب الشرك، فإن قوم نوح لما هلك الصالحون صوروا تماثيلهم ثم عكفوا على قبورهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.

ولكن تبيح الضرورة أو الحاجة استعمال بعض الصور مثل الصور التي بالنقود، ومثل الصورة في رخصة القيادة أو جواز السفر أو صور المجرمين للقبض عليهم أو ما أشبه ذلك أو الشهادة العلمية فهذه مستثنيات، لكن بعض الناس يصور نفسه وأولاده للذكرى، فقوم نوح عبدوا الأصنام بسبب التصوير للذكرى؛ ليتذكروا العباد الصالحين فعبدوهم، فلا يجوز التصوير إلا لضرورة.

ورخص بعض العلماء في لعب البنات كما في حديث عائشة رضي الله عنها[(569)]، ومنهم من منع من ذلك وقال: الرخصة كانت أولاً؛ لأن لعب البنات كانت بدائية وبسيطة، ليس فيها تفاصيل، أما اللعب الآن فهي محاكاة تفصيلية دقيقة لخلق الله.

 

}3225{ هذا الحديث فيه: أن الملائكة الكرام لا يدخلون البيت الذي فيه كلب ولا صورة؛ لأن الكلب منهي عن اقتنائه في البيت وكذلك الصور؛ لما فيها من المضاهاة لخلق الله.

والملائكة الذين لا يدخلون البيت الذي فيه صورة هم ملائكة الرحمة، أما الحفظة والكتبة فلا يفارقون الإنسان.

 

}3226{ قوله: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ» . هذا الحديث ظاهره يدل على أن زيد بن خالد هو راويه، وقد وجد في بيته ستر فيه تصاوير ، فكيف يروي الحديث وعلى بابه ستر فيه صورة؟

_خ الجواب: ظاهر الحديث يدل على أن زيد بن خالد رضي الله عنه يرى أن الصورة في الثوب مستثناة من المنع من دخول الملائكة وأن هذا اجتهاد منه، والصواب أن الصورة إذا كانت في ستارة معلقة أو في ثوب فإنها تمنع من دخول الملائكة بخلاف الصورة الممتهنة في الوسادة والفراش والبساط الذي يوطأ فلا تمنع دخول الملائكة.

أما قوله: «إِلاَّ رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ» ؛ فيجاب عنه بجوابين:

الأول: أن المراد بالرقم: النقوش والخطوط غير الصور.

الثاني: المراد بالرقم: الصورة الممتهنة.

 

}3227{ الشاهد من الحديث أن جبريل عليه السلام وعد النبي صلى الله عليه وسلم بالمجيء، وحالت التصاوير والكلب بينه وبين ذلك، وأخبره أن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه صورة ولا كلب.

 

}3228{ هذا الحديث فيه: أن المأموم لا يجب عليه التسميع بخلاف الإمام والمنفرد فإنه يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، أما المأموم فإنه يكتفي بالتحميد.

قوله: «إِذَا قَالَ الإِْمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» ، ولم يقل فقولوا: سمع الله لمن حمده؛ فدل على أن المأموم لا يجمع بينهما.

وفيه: فضل التأمين وأن من وافق تأمينه تأمين الملائكة حصَّل سببًا من أسباب المغفرة، والشاهد أن الملائكة تؤمن على الدعاء في الفاتحة؛ فهذا من أعمال الملائكة وأنهم يحبون الخير للمؤمنين.

 

}3229{ قوله: «إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتْ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ» فيه: فضل الجلوس في المسجد، وفي اللفظ الآخر: «ما دام ينتظر الصلاة» [(570)] فإذا جلس الإنسان في مكانه ينتظر الصلاة أو بعد الصلاة فهو على خير عظيم.

قوله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ» ، فالملائكة تدعو له ما دام منتظرًا في مكانه.

قوله: «مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلاَتِهِ أَوْ يُحْدِثْ» ، أي: من جلس في المصلى فهو في الصلاة إلا إذا فعل واحدة من اثنتين: إذا آذى أحدًا بالنميمة أو أحدث يعني: انتقض وضوءه.

والشاهد من الترجمة فضل الملائكة ونصحهم للمؤمنين ولبني آدم وأنهم يدعون لهم ويستغفرون لهم ويسألون لهم الرحمة والمغفرة.

 

}3230{ قوله: «وَنَادَوْا يَا مَالِ» فيه: ترخيم بحذف الكاف آخره وهي قراءة عبدالله بن مسعود، أما القراءة المشهورة فهي ُ 7 ت ة ج ث ِ .

والشاهد فيه: هو ذكر مالك وهو خازن النار، وأن هذا من أعمال الملائكة.

 

}3231{ في هذا الحديث: فضل النبي صلى الله عليه وسلم وحلمه وصبره العظيم على تبليغ الدعوة.

قوله: «هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟» . يوم أحد كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وهشمت البيضة على رأسه وجرحت وجنتاه وسقط في حفرة وصاح الشيطان: إن محمدًا قتل.

قوله: «قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ» ، ليبلغهم الدعوة، كما عرض نفسه على القبائل في موسم الحج كل سنة، حتى يسر الله الخير للأنصار وبايعوه يوم العقبة.

قوله: «فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي» ، من شدة الكآبة والهم والحزن.

قوله: «فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ» . ذكر الشارح أن قرن الثعالب هو قرن المنازل وهو الميقات والقرن هو الجبل الصغير المنبثق عن جبل كبير، والمعنى أنه من شدة الهم مشى مشيًا طويلاً، ولم يستفق إلا وهو في قرن المنازل، ومن مكة إلى الميقات مائة وعشرون كيلو مترًا ومع هذه الشدة والحزن جاءه الفرج، وجاءه جبريل.

قوله: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ» فيه: إثبات السمع لله عز وجل وأن الله لا يخفى عليه شيء فيسمع ما يقوله عباده وهو فوق العرش ولا تخفى عليه خافية.

قوله: «وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ» فيه: بيان كثرة الجبال وأن الملائكة لهم وظائف، فمنهم من هو موكل بالجبال، ومن هو موكل بالقطر، ومن هو موكل بالنبات.

قوله: «لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَْخْشَبَيْنِ» . والأخشبان جبلان بمكة قيل: جبل أبي قبيس والذي يقابله جبل قعيقعان، وقيل: الجبل الأحمر الذي يشرف على قعيقعان.

قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» فيه: صبر عظيم وتحمل واحتساب عظيم من النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا سماه الله عبدًا شكورًا، فهو أفضل الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وصدق ظنه صلى الله عليه وسلم فأخرج الله من أصلاب هؤلاء الصحابة، وكانوا قادة الجيوش فتحوا الأمصار ونشروا دين الله وجاهدوا في سبيل الله.

 

}3232{ هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله كلها تتعلق بالملائكة وأوصافهم وأعمالهم وصلتهم ببني آدم ووظائفهم، وقد سبق أن الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان لا يصح الإيمان إلا به؛ فمن لا يؤمن بالملائكة فهو كافر، والإيمان بالملائكة يشمل الإيمان بوجودهم، وأنهم ذوات وأشخاص محسوسة تصعد وتنزل وتجيء وترى وتخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وتكتب أعمال العباد وتصف عند ربها، وأنهم مخلوقون من نور كما جاء في «صحيح مسلم» : «خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم» [(571)] يعني: من طين؛ ويشمل أيضًا الإيمان بوظائفهم وأن منهم الموكل بحفظ بني آدم ومنهم من هو موكل بكتابة أعمال بني آدم ومنهم من هو موكل بالنطفة حتى يتم خلقها ومنهم من هو موكل بالنفخ في الصور، ومنهم من هو موكل بالقطر، ومنهم من هو موكل بالوحي وهو جبرائيل، ومنهم من هو موكل بالنار وإعداد العذاب لأهلها ومنهم من هو موكل بالجنة وإعداد الكرامة لأهلها، ومنهم حملة العرش، ومنهم سكان السموات يعمرونها، ومنهم الذين يدخلون البيت المعمور للطواف وللعبادة، ويشمل كذلك الإيمان بشرفهم ومكانتهم عند الله وفضلهم، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ولا يعصى الله في السماء إنما يعصى في الأرض.

والفلاسفة الذين يزعمون أن الملائكة أشباح وأشكال نورانية وأنهم ليسوا ذوات فهؤلاء كفرة ـ والعياذ بالله ـ يلحدون ولا يؤمنون بالله ولا بالملائكة ولا بالكتب المنزلة، وهم الفلاسفة المتأخرون أتباع أرسطو. وكان الفلاسفة قبل أرسطو في الجملة يعظمون الشرائع والإلهيات ويثبتون الصانع وحدوث العالم ثم جاء أرسطو وكان تلميذًا لأفلاطون، فابتدع القول بقدم العالم وأن العالم قديم، وهذا معناه الإنكار لوجود الله فلم يثبت الوجود لله إلا من جهة كونه مبدأ لهذا العالم وعلة غيبية لحركة الفلك، وكان مشركًا يعبد الأصنام، وسموا بالفلاسفة المشائين لأنهم يدرسون عقائدهم وهم يمشون، ثم جاء أبو نصر الفارابي فتبعه في إلحاده ثم جاء بعده أبو علي بن سينا الذي حاول أن يقرب الفلسفة إلى الإسلام؛ ولكنه في محاولته لم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية التي غالت في التجهم فالجهمية أحسن حالاً وأسد مذهبًا من ابن سينا الذي من أخطائه أنه أثبت وجودين وجودًا لله ووجودًا للمخلوق لكن في الذهن وسلب عنه جميع الأسماء والصفات، وقال عن الملائكة: إنهم أشباح وأشكال نورانية وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه رجل عبقري وأن النبوة ليست هبة من الله ولكنها صنعة من الصناعات وحرفة من الحرف، وأنكر البعث والجزاء والحساب وقال: إنها خيال وأمثال مضروبة في فهم العوام.

فالمقصود أن الملاحدة لا يؤمنون بالملائكة، وأن الإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان وركن من أركان الإيمان الستة كما جاء في كتاب الله عز وجل في آية البر: [البَقَرَة: 177]{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}، كما قال تعالى: [البَقَرَة: 285]{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}، وفي حديث جبريل لما سأل عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره» [(572)].

وفي هذا الحديث أن زر بن حبيش حدث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قول الله عز وجل: « [النّجْم: 9-10]{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى *}» : «رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ» ، يعني: في صورته التي خلق عليها ففي سورة النجم قال تعالى: [النّجْم: 1-5]{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *} وهو جبريل [النّجْم: 6-10]{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى *ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى *مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى *}. كل هذه الأوصاف لجبريل عليه السلام وقوله: [النّجْم: 11]{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى *} ما كذب فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى والمراد رؤية جبريل وليس المراد رؤية الرب، وقد وهم شريك بن أبي نمر لما قال: إن الضمائر تعود إلى الله، فقد غلطه العلماء، وعدوا ذلك من أوهامه.

قوله: «رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ» ، وكل جناح كما بين السموات والأرض، هذه الصورة التي خلق عليها، ورآه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين على هذه الصورة، مرة في السماء ليلة المعراج، ومرة في الأرض يوم البعثة، ورآه في مرات عديدة في صور متعددة.

 

}3233{ قوله: «رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ» هذا قول ابن مسعود قاله في تفسير قوله تعالى: [النّجْم: 18]{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى *}، وهو جبريل. وهذا هو الشاهد من الحديث وهو ذكر الملائكة.

 

}3234{ قولها: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ» ، وفي اللفظ الآخر: «فقد أعظم على الله الفرية» [(573)] والذي أخبرت به عائشة هو الصواب، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، ولكن الله كلمه من وراء حجاب، فسمع كلامه دون واسطة، قال الله تعالى: [الشّورى: 51]{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}، وهو الذي عليه الجمهور.

وقال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، وهذا قول ضعيف، وقد جاءت آثار عن الصحابة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه وآثار تدل على أنه لم ير ربه، فروي عن الإمام أحمد أنه قال: رأى ربه، وروي عن ابن عباس أنه قال: رأى ربه، وجاءت آثار أخرى تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، كما في هذا الحديث.

وفي لفظ: أن مسروقًا لما سأل عائشة قال: هل رأى محمدٌ صلى الله عليه وسلم ربه قالت: «لقد قف شعري مما قلت ثم قالت: من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب» [(574)].

والجمع بين هذه الروايات ـ كما بين ذلك المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية[(575)] وغيره ـ أن الآثار التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه محمولة على رؤية الفؤاد، والآثار التي فيها أنه لم يره يعني: أنه لم يره بعين رأسه، وبهذا تجتمع الأدلة، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، وقد ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «نور أنى أراه» [(576)] يعني: كيف أراه والنور حجاب بينه وبيني، وفي «صحيح مسلم» أيضًا من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور ـ وفي لفظ: حجابه النار ـ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» [(577)] والنبي صلى الله عليه وسلم خلق من خلقه وداخل في هذا العموم، ولما سأل موسى عن الرؤية {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} ، أي: أغمي عليه [الأعرَاف: 143]{فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ *}.

فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا وليس ذلك لخفاء في الله عز وجل، فالله سبحانه أظهر من كل موجود، ولكن الذي منع من رؤيته عدم تحمل الخلق في الدنيا، وفي يوم القيامة ينشئهم الله تنشئة أخرى يتحملون فيها رؤية الله، فالمؤمنون يرون ربهم في موقف القيامة وفي الجنة، نسأل الله الجنة لنا وإياكم، قال الله تعالى: [القِيَامَة: 22-23]{وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *}. وقال سبحانه عن الكفرة: [المطفّفِين: 15]{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ *}. فالكفرة يحجبون عن الله، والمؤمنون يرون الله، قال الله سبحانه: [ق: 35]{لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ *}، وجاء في تفسير المزيد أنه النظر إلى وجه الله الكريم، فأعظم نعيم لأهل الجنة هو النظر إلى وجه الله الكريم، وقال سبحانه: [يُونس: 26]{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وجاء في «صحيح مسلم» أن تفسير الحسنى الجنة، والزيادة هو النظر لوجه الله الكريم، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته» [(578)]، أما في الدنيا فلا يستطيع أحد أن يرى الله.

إذن الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه لكن رآه بفؤاده، ولكن الله كلمه دون حجاب، فشارك موسى عليه السلام في تكليمه؛ فكما أن موسى كلَّم الله فنبينا كلَّم الله أيضًا، وشارك إبراهيم عليه السلام في الخلة فكما أن إبراهيم خليل الله فنبينا خليل الله.

 

}3235{ قوله: « [النّجْم: 8-9]{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *}» الضمائر تعود إلى جبريل من أول السورة، وشريك بن أبي نمر وَهِم في هذا وقال: إن الضمائر تعود إلى الله، وقد غلطه العلماء في ذلك.

وقول عائشة: «كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ» ، يعني: جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة آدمي، كما أتاه في صورة دحية[(579)] وفي صورة الأعرابي[(580)]، ورآه في غار حراء قبل البعثة فقال صلى الله عليه وسلم: «رأيته جالسًا على كرسي بين السماء والأرض» [(581)].

وكل أحد يمكن أن يرى الله في المنام، ولكن كما قال شيخ الإسلام يراه على حسب اعتقاده، ولا يلزم بذلك التشبيه، إن كان اعتقاده صحيحًا رأى ربه في صورة حسنة، وإن كان اعتقاده سيئًا رأى ربه في صورة تناسب اعتقاده، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أصح الناس اعتقادًا قال: «رأيت ربي في أحسن صورة» [(582)].

 

}3236{ حديث سمرة حديث طويل في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وقد اختصره المؤلف، وأتى بالشاهد قال: «قَالاَ: الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ» . والشاهد إثبات الملائكة الثلاثة: مالك خازن النار، وجبريل ملك الوحي، وميكائيل ملك القطر.

 

}3237{ هذا الحديث: دليل على أن المرأة التي تمتنع عن فراش زوجها على خطر عظيم، وأن هذا من الكبائر؛ لأن الملائكة تلعنها حتى تصبح، لكن يقيد هذا بما إذا لم تكن مريضة ولا تستطيع فلا يجب عليها في هذه الحالة، أو كانت حائضًا أو نفساء، أو كانت محرمة بحج أو عمرة، وكان لا يبالي، فإنها لا يتناولها الوعيد.

والشاهد من الحديث قوله: «لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» ففيه: إثبات الملائكة، وأن الملائكة من أعمالها أنها تلعن من لعنه الله.

 

}3238{ قوله: «فَجُئِثْتُ» بضم الجيم بعدها همزة مكسورة بعدها ثاء مثلثة ساكنة بعدها مثناة فوقية مضمومة يعني: خفت ورعبت. وفي رواية: «فجثثت» [(583)] وجئثت أحسن لأنها تجمع بين خفت وسقطت، وأما جثثت فمعناها هويت، والتأسيس مقدَّم على التأكيد.

وهذا فيه قصة رؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل أول البعثة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل في أول البعثة في غار حراء وقال: [العَلق: 1]{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *} ثم فتر الوحي مدة، ثم جاءه مرة أخرى ورآه قال: «فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَْرْضِ فَجِئْتُ أَهْلِي» ، فجاء إلى خديجة وقال: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» يعني: غطوني غطوني، من شدة الخوف؛ «فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: [المدَّثِّر: 1]{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *}» ؛ يعني: الملتف بالثياب، والمزمل مثله، « [المدَّثِّر: 2]{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *}» ، أي: قم فأنذر الناس الشرك « [المدَّثِّر: 3]{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *}» ، أي: عظم ربك بالتوحيد، «إلى قوله: [المدَّثِّر: 5]{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ *}» .

قوله: «قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ وَالرِّجْزُ الأَْوْثَانُ» ، أي: اهجر الأصنام.

والشاهد: أن جبريل هو الذي جاء ورآه النبي صلى الله عليه وسلم بين السماء والأرض، فجئث منه ورعب، وهذا من أعمال جبريل، فإن من أعماله الوحي.

 

}3239{ هذا الحديث فيه: بيان ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، ورؤيا الأنبياء حق قال: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلاً آدَمَ» ، يعني: رأيت موسى رجلاً آدم بين البياض والسواد، «طُوَالاً» يعني: طويل، «جَعْدًا» ، أي: متجعد الشعر، يعني: ليس ناعمه، «كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ» : يعني: كأنه رجل طويل من رجال شنوءة، وهم معروفون الآن في الجنوب ، ولقد رآه ليلة المعراج في السماء السادسة، «وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا مَرْبُوعَ الْخَلْقِ» ، يعني: متوسطًا ليس بالطويل ولا بالقصير، «إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبِطَ الرَّأْسِ» ، وقد رأى عيسى حيًّا في السماء الثانية.

قوله: «وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ» . وهذا هو الشاهد، «وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ [السَّجدَة: 23]{فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ}» ذكروا ـ والله أعلم ـ أن رؤية الدجال إنما هي في المنام، كما جاء في الحديث الآخر: «رأيت عند الكعبة رجلاً آدم سبط الرأس واضعًا يديه على رجلين يسكب رأسه أو يقطر رأسه فسألت: من هذا؟ فقالوا: عيسى بن مريم أو المسيح ابن مريم، ورأيت وراءه رجلاً أحمر جعد الرأس أعور العين اليمنى أشبه من رأيت به ابن قطن فسألت: من هذا؟ فقالوا: المسيح الدجال» [(584)] لأن الدجال ممنوع من دخول مكة والمدينة، كأنه جمع بين الحديثين يعني: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء في اليقظة، ورؤية الدجال في النوم، وهو الأقرب والله أعلم.

وفيه: قول أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تَحْرُسُ الْمَلاَئِكَةُ الْمَدِينَةَ مِنْ الدَّجَّالِ» ، يعني: لا يدخلها أبدًا.

  مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مُطَهَّرَةٍ} مِنْ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُزَاقِ، {كُلَّمَا رُزِقُوا} أُتُوا بِشَيْءٍ ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ، {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أُتِينَا مِنْ قَبْلُ {وأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَخْتَلِفُ فِي الطُّعُومِ.

{قُطُوفُهَا} يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا، {دَانِيَةٌ} قَرِيبَةٌ الأَْرَائِكُ السُّرُرُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي الْوُجُوهِ وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سَلْسَبِيلاً} حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ {غَوْلٌ} وَجَعُ الْبَطْنِ {يُنْزِفُونَ} لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {دِهَاقًا} مُمْتَلِئًا {كَوَاعِبَ} نَوَاهِدَ الرَّحِيقُ الْخَمْرُ التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ {خِتَامُهُ} طِينُهُ {مِسْكٌ} {نَضَّاخَتَانِ *} فَيَّاضَتَانِ.

يُقَالُ مَوْضُونَةٌ مَنْسُوجَةٌ مِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ، وَالْكُوبُ مَا لاَ أُذْنَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ، وَالأَْبَارِيقُ ذَوَاتُ الآْذَانِ وَالْعُرَى.

{عُرُبًا} مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةِ الْعَرِبَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الْغَنِجَةَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رَوْحٌ جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ وَالْمَنْضُودُ الْمَوْزُ وَالْمَخْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلاً وَيُقَالُ أَيْضًا لاَ شَوْكَ لَهُ، وَالْعُرُبُ الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ.

وَيُقَالُ مَسْكُوبٌ جَارٍ {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ *} بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ {لَغْوًا} بَاطِلاً {تَأْثِيمًا} كَذِبًا أَفْنَانٌ أَغْصَانٌ {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ {مُدْهَآمَّتَانِ *} سَوْدَاوَانِ مِنْ الرِّيِّ.

}3240{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ».

}3241{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ».

}3242{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ».

}3243{ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَْشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاَثُونَ مِيلاً فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لاَ يَرَاهُمْ الآْخَرُونَ».

قَالَ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ سِتُّونَ مِيلاً.

}3244{ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ [السَّجدَة: 17]{فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}».

}3245{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الأَْلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا».

}3246{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنْ الْحُسْنِ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لاَ يَسْقَمُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْصُقُونَ آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ الأَْلُوَّةُ.

قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: يَعْنِي الْعُودَ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ».

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الإِْبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ أُرَاهُ تَغْرُبَ.

}3247{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ».

}3248{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةُ سُنْدُسٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا».

}3249{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا».

}3250{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».

}3251{ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا».

}3252{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ [الواقِعَة: 30]{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ *}».

}3253{ وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ.

}3254{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَحَاسُدَ لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ».

}3255{ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ».

}3256{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُْفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَْنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ».

 

انتقل المؤلف رحمه الله من ذكر الملائكة إلى ذكر الجنة، فقال: «بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ» يعني: وأنها مخلوقة الآن، قصد المؤلف هنا الرد على المعتزلة القائلين: إن الجنة غير مخلوقة الآن، وإنما تخلق يوم القيامة، وكذلك النار، فالمعتزلة من جهلهم وضلالهم يقولون: الجنة والنار معدومتان الآن، وتخلقان يوم القيامة؛ لأن وجودهما الآن عبث والعبث محال على الله، فلماذا تخلق الجنة والنار وتبقى معطلة لمدة طويلة؟!

والنصوص دلت على أنهما موجودتان، قال الله عن الجنة: [آل عِمرَان: 133]{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *} وقال عن النار: [البَقَرَة: 24]{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *}. فأرواح الشهداء تسبح في الجنة في حواصل طير خضر، تشرب من أنهارها وتأكل من ثمارها، وروح المؤمن نسمة في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم يبعثه، والمؤمن يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، وقال الله تعالى عن فرعون وآل فرعون: [غَافر: 46]{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}.

ومن الأدلة أيضًا على وجود الجنة أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليها ليلة المعراج، ورأى فيها قصرًا لعمر[(585)]، وفي الكسوف قال: «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا» [(586)]، وقربت له النار ومثلت له حتى تكعكع وتأخر وتأخرت الصفوف[(587)]، والأدلة واضحة.

وأخذ المؤلف رحمه الله يسوق تفسير بعض الكلمات رغبة في الإفادة؛ ليجمع لطالب العلم بين الأحاديث وبين معاني القرآن، والمفردات التي تتعلق بالترجمة، فهذا الكتاب ـ أعني «صحيح البخاري» ـ قد جمع بين التفسير والحديث والآثار والمعاني وكذلك الأحكام الفقهية والحديثية، وضرب في كل علم بسهم.

فقوله: «قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مُطَهَّرَةٍ} مِنْ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُزَاقِ» ، يعني: فسر قوله تعالى: [البَقَرَة: 25]{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} بأن نساء الجنة مطهرة من الحيض والبول والبصاق.

قوله: «{كُلَّمَا رُزِقُوا} أُتُوا بِشَيْءٍ ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ» ، يعني: طعام أهل الجنة يشبه بعضه بعضًا في اللون ولكن الطعم مختلف، كلما أتوا بشيء يجدونه مشابهًا للشيء الذي قبله في اللون ولكن الطعم واللذة مختلفة.

قوله: «{قُطُوفُهَا} يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا» يعني: إن شاء يقطف ثمارها واقفًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، فيقرب له الغصن ويقطف العنقود على أي: حال كان؛ لأن الجنة فيها نعيم وليس فيها نصب ولا تعب. نسأل الله أن يجعلنا منهم.

قوله: « قَرِيبَةٌ» أي: ثمار الجنة قريبة لأهلها.

قوله: « {غَوْلٌ} وَجَعُ الْبَطْنِ» فيه: وصف خمر الجنة وأنها لذيذة طيبة، لا تؤذي البطون، ولا تغتال العقول، وليس طعمها كريه المذاق.

قوله تعالى: « ُ = ء صلى الله عليه وسلم»! ! ِ » أي: لا تذهب عقولهم، بخلاف خمر الدنيا، فإنها فيها ذهاب العقول، وفيها الأمراض والأسقام، وكراهة المذاق. نسأل الله السلامة والعافية.

قوله: «{كَوَاعِبَ} نَوَاهِدَ» ، يعني: نساء الجنة ثُدِيّهن في أكمل خلقة وأجمل هيئة.

قوله: «التَّسْنِيمُ يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . فسر قوله تعالى: [المطفّفِين: 27]{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ *}، يعني: يمزج التسنيم بشراب أهل الجنة، وهو شراب لذيذ طيب.

قوله: «{خِتَامُهُ} طِينُهُ {مِسْكٌ}» ، يعني: طينه مسك. نسأل الله الكريم من فضله.

قوله: «وَالْكُوبُ مَا لاَ أُذْنَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ وَالأَْبَارِيقُ ذَوَاتُ الآْذَانِ وَالْعُرَى» . فسر الأكواب والأباريق، بأن الذي له أذن وعروة يمسك بها يسمى إبريقًا، والذي لا أذن له ولا عروة يسمى كوبًا.

قوله: «{عُرُبًا}» ، أي: الزوجات المتحببات إلى أزواجهن، والواحدة يقال لها: عَروب.

قوله: «وَالْمَخْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلاً وَيُقَالُ أَيْضًا لاَ شَوْكَ لَهُ» الموقر حملاً يعني: حمله ممتلئ كثير.

قوله: « {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ» ، يعني: جناهما قريب، ليس هناك عناء ولا مشقة في جمع ثمارها.

 

}3240{ هذا الحديث فيه: الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن الجنة والنار معدومتان الآن، ولا تخلقان إلا يوم القيامة؛ ففيه أنها موجودتان الآن، وأن الإنسان إذا مات يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فيرى مقعده من الجنة أو من النار، ولو كانتا غير موجودتين ولا تخلق إلا يوم القيامة، فكيف يعرض عليه مقعده؟!

قوله: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» ، أي: صباحًا ومساء، «فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ» . وهذا من آيات الله العظيمة وقدرته العظيمة، حيث يعرض عليه مقعده من الجنة وهي في أعلى عليين، ومقعده من النار وهي في أسفل سافلين ـ نعوذ بالله ـ منها.

 

}3241{ في هذا الحديث: إثبات الجنة والنار، وأنهما موجودتان الآن، وقد اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على الجنة واطلع على النار.

وفيه: الرد على المعتزلة.

وقوله: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» أي: أكثر أهل النار النساء؛ وذاك لكونهن يفعلن أسباب دخولها، كاللعن وكفران العشير ـ وهو الزوج ـ فإذا أحسن إليها الدهر قالت: ما رأيت منك خيرًا قط، وكذلك أكثر أهل الجنة النساء لأن لكل واحد من أهل الجنة زوجتين من الحور العين، ومن لم يزوج من النساء ومن الرجال يزوج في الجنة.

 

}3242{ في هذا الحديث شهادة لعمر رضي الله عنه بالجنة، وهذا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، ورؤيا الأنبياء وحي، قال: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ» صريح في أن هذه الرؤية في النوم، قال: «فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» ، يعني: مراعاة لغيرته، فلما كان عمر غيورًا ولى النبي صلى الله عليه وسلم مدبرًا، «فَبَكَى عُمَرُ» ، وهذا البكاء بكاء فرح وسرور، «وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!» .

وهذا فيه الرد أيضًا على المعتزلة الذين يقولون: إن الجنة عدم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ» ، يعني: في وسط الجنة، والمعتزلة أهل بدع ـ والعياذ بالله ـ ينكرون الأسماء وينكرون الصفات وينكرون خلق الجنة والنار الآن.

وفيه: كذلك الرد على الرافضة ـ وهم قوم بهت ـ: الذين يكفرون الصحابة وأبا بكر وعمر، والله تعالى زكَّى الصحابة وعدَّلهم في آيات كثيرة، والرافضة يكفرونهم! والخلفاء الأربعة مشهود لهم بالجنة في أحاديث كثيرة.

 

}3243{ هذا الحديث فيه: عظم النعيم الذي يؤتاه أهل الجنة، فالخيمة درة مجوفة، وليست من خِرَق مثل خيمة الدنيا «طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاَثُونَ مِيلاً» ، وفي اللفظ الآخر: «ستون ميلاً» [(588)] «فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لاَ يَرَاهُمْ الآْخَرُونَ» هذا دليل على كثرة نساء أهل الجنة، ففي كل زاوية من زواياها أهل، والذين في الزاوية لا يرون من في الزاوية الأخرى، وهذا يدل على أن المؤمن له زوجات كثيرة، وأدنى أهل الجنة منزلة من له زوجتان.

والنساء في الجنة نوعان: نساء أهل الجنة المؤمنات، ونساء من الحور العين، والمهم أن أكثرها النساء من هؤلاء ومن هؤلاء.

 

}3244{ قوله: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» ، هذا من كلام الله لفظًا ومعنًى، والحديث النبوي هو من الله معنًى ومن الرسول لفظًا، قال الله تعالى: [النّجْم: 3-4]{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *}، والقرآن من الله لفظًا ومعنًى، والحديث القدسي مثل القرآن، إلا أن له أحكامًا غير القرآن.

ومعنى الحديث: أن الله تعالى أعد لعباده المؤمنين من النعيم ما لا يوصف؛ فلم تره عينان، ولم تسمع به أذنان، ولم يخطر على قلب إنسان!!

 

}3245{ هذا الحديث فيه: وصف الجنة ووصف أهلها؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» . أول زمرة: يعني: أول دفعة، وأول جماعة تدخل الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، أي: من الجمال والحسن.

قوله: «لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا» ، أي: ليس فيها بصاق، ولا زكام، ولا بول، ولا غائط، ولا مرض، ولا شيخوخة، ولا هرم، ولا هم، ولا حزن، ولا موت، بل شباب دائم، وصحة دائمة، وسرور دائم، وعيش دائم.

قوله: «وَلاَ يَمْتَخِطُونَ» . البصاق من الفم، والامتخاط من الأنف.

قوله: «وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ» . لكن أين يذهب الأكل والشرب؟ جاء في الحديث أنه يخرج عرق كريح المسك[(589)]، فتخلو البطون فيأكلون مرة ثانية، ثم يتبخر الأكل والشرب عرقًا ريحه كريح المسك.

قوله: «آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ» أي: الأواني التي يأكلون ويشربون فيها أواني الذهب، وهي حلال في الآخرة، أما في الدنيا فحرام.

قوله: «أَمْشَاطُهُمْ» التي يمشطون بها «مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» .

قوله: «وَمَجَامِرُهُمْ الأَْلُوَّةُ» . والألوة العود الذي يتجمر به، والمجامر جمع مجمرة، وهي المبخرة، وسميت مجمرة لأنه يوضع فيها الجمر؛ ليفوح به ما يوضع فيها من البخور، ولا يلزم أن يكون في مجامر أهل الجنة نار، بل الله أعلم بذلك.

قوله: «وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ» . الرشح: العرق، ففي الدنيا يخرج العرق وله رائحة كريهة، أما عرق أهل الجنة فيفوح رائحة المسك.

قوله: «وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ» وهذا عام ـ كما سبق ـوهذا دليل على أن أكثر أهل الجنة النساء.

والحافظ رحمه الله ذهب إلى أن لكل واحد منهم زوجتين من نساء الدنيا، والصواب أنهما من الحور العين؛ لأن الأحاديث تفسِّر بعضها بعضًا وسيأتي في الحديث: «لكل امرئ زوجتان من الحور العين» .

قوله: «يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ» . سوق جمع ساق، يعني: بصره ينفذ لحم الساق والعصب ويرى المخ من ورائها من الحسن والجمال.

قوله: «لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُض» . فأهل الجنة ليس بينهم تباغض، بل نزع ما في قلوبهم من الغل والحقد والحسد، قال الله تعالى: [الحِجر: 47]{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ *}.

قوله: «قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ» ، أي: على قلب رجل واحد؛ من الصفاء وسلامة الصدر والتودد والمحبة، كل منهم يود أخيه ويحبه، فلا بغض ولا حسد ولا تباغض.

قوله: «يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ، وهذا تسبيح نعيم يتنعمون به؛ فإن الجنة ليس فيها تكليف؛ فهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النَفَس، ويتنعمون بهذا التسبيح كتنعمهم بسائر نعيم الجنة، والمعنى مقدار البكرة والعشي؛ فإن الجنة ليس فيها ليل بل كلها نهار دائم قال تعالى: [الإنسَان: 13]{لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا *} وجاء في بعض الروايات أنهم تظهر لهم أنوار تحت العرش، يعرفون فيها أول النهار وآخره[(590)]، وإلا فالجنة ليس فيها ليل بل كلها نهار مطرد، نسأل الله أن يجعلنا منهم.

 

}3246{ هذا الحديث فيه: وصف أهل الجنة، فأول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، يعني: ليلة أربع عشرة، والذين على إثرهم وهم الزمرة الثانية كأشد كوكب إضاءة، وقلوبهم على قلب رجل واحد، لا يوجد اختلاف بينهم ولا تباغض؛ لأن قلوبهم سليمة وصدروهم سليمة، لكل منهم زوجتان كل واحدة يُرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن، يسبحون الله بكرة وعشيًّا، ومن المعلوم أن الجنة ليس في تكليف، بل هي دار النعيم، لكن التسبيح يتنعمون به، فهو من نعيمهم.

وقوله: «بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ، يعني: بمقدار البكرة والعشي؛ لأن الجنة ليس فيها ليل ولا نهار، بل نور مطرد، وجاء هذا المعنى عن ابن مسعود وغيره[(591)]، وفي تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية[(592)].

وقوله: «وَلاَ يَمْتَخِطُونَ» . ومعروف أن المخاط شيء ينزل من الأنف، «وَلاَ يَبْصُقُونَ» ، أي: من الفم، «آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ الأَْلُوَّةُ» .

قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الإِْبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ أُرَاهُ تَغْرُبَ» . فسَّر مجاهد الإبكار بأول الفجر، والعشي بآخر النهار إلى الغروب.

 

}3247{ قوله: «سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ» شك.

وقوله: «لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ» ؛ لأن الجنة أبوابها واسعة جدًّا، ما بين مصراعي الباب كما بين مكة وبصرى، وفي الحديث الآخر: «وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام» [(593)] أي: من كثرة الداخلين، نسأل الله تعالى من فضله.

وجاء في الحديث الآخر: «أنه يدخل من هذه الأمة سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب » [(594)] نسأل الله تعالى من فضله.

 

}3248{ هذا الحديث فيه: الشهادة لسعد بن معاذ بالجنة، وهو الذي اهتز له عرش الرحمن لما مات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» [(595)] وهو سيد الأوس، وهو الذي حكم في بني قريظة أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات» [(596)].

قوله: «أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةُ سُنْدُسٍ» . والسندس حرير رقيق، والإستبرق حرير غليظ.

 

}3249{ قوله: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ» فتعجب الناس من لينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا» .

 

}3250{ قوله: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ، لأن الدنيا فانية، فمهما أعطي الإنسان من الدنيا فنهايته الموت، ولابد أن يفارقها، ثم إن الدنيا منغصة بالأكدار والهموم والأحزان والأمراض والأسقام، فيخاف الإنسان على ما عنده أن يضيع، ثم يخاف أن يخسر، ثم يخاف أن يغلب عليه، أو يخاف أن يأتيه عدو، ثم يخاف أن يهرم ولا يستطيع أن يتنعم به، وفي النهاية الموت، أما الجنة فما فيها باقٍ، ولو موضع سوط واحد.

 

}3251{ قوله: «حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ» . روح بن عبدالمؤمن هذا من شيوخ البخاري، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.

 

}3252{، }3253{ قوله: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ [الواقِعَة: 30]{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ *}»، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ» ، يعني: مقدار مقبض القوس في الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ لأن الدنيا زائلة، وما في الجنة باقٍ.

_خ مسألة: قال الحافظ ابن حجر: «يَسِيرُ الرَّاكِبُ» ، أي: أيُّ راكب فُرِضَ، ومنهم من حمله على الوسط المعتدل» والصحيح أنه الراكب المجد أي: السريع كما عند ابن أبي الدنيا والبيهقي والضياء[(597)]، وقد ذكرها الحافظ بعد ذلك بيسير لكن هي شاهد لهذه المسألة أيضا.

وفي الحديث: سعة الجنة العظيمة، فشجرة واحدة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وجاء في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان أنها شجرة طوبى[(598)]، لكن الجنة ليس فيها شمس، فكيف يسير الراكب في ظلها؟

_خ الجواب: المراد أنه لو كان لها ظل لسار في ظلها، يعني: يسير تحتها وإن لم يكن لها ظل، مثل قوله: «بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ؛ يعني: مقدار: البكرة والعشي.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «فِي ظِلِّهَا» ، أي: في نعيمها وراحتها، ومنه قولهم: عيش ظليل، وقيل: معنى ظلها ناحيتها، وأشار بذلك إلى امتدادها، ومنه قولهم: أنا في ظلك، أي: ناحيتك، قال القرطبي: والمحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما بقي من حر الشمس وأذاها، وليس في الجنة شمس ولا أذى» والأقرب ما تقدم من انه لو كان لها ظل لسار في ظلها.

 

}3254{ هذا الحديث فيه ـ كما سبق ـ: أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر، ثم الذين يلونهم كأحسن كوكب دري ـ يعني: كأحسن نجم إضاءة ـ وقلوبهم على قلب رجل واحد، لا يوجد تباغض بينهم ولا تحاسد، ولكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين، وفي هذا الحديث صرح بأنهما من الحور العين، وهذا يفسر الحديث السابق: «لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ» ، والحديث يفسر بعضه بعضًا، فدل على أنهما من الحور العين.

قوله: «يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ» . سوق جمع ساق، والعجب من الحافظ أنه قال: إنهما زوجتان من نساء الدنيا، مع أن هذا الحديث صريح في أنهما من الحور العين.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعًا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة: «وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا» [(599)]، وفي سنده شهر بن حوشب

وفيه: مقال، ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع: «فيدخل الرجل على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم» [(600)]، وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه: «إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة» [(601)] وقال: غريب، ومن حديث المقدام بن معدي كرب[(602)] عنده: «للشهيد ست خصال» ، الحديث، وفيه: «ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين» ، وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه والدارمي رفعه: «ما أحد يدخل الجنة إلا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وسبعين وثنتين من أهل الدنيا» [(603)] وسنده ضعيف جدًّا، وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في «العظمة» والبيهقي في «البعث» من حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه: « أن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء أو أنه ليفضي إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب» [(604)]. وفيه راوٍ لم يسم، وفي الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء» [(605)] وقال ابن القيم رحمه الله: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين، سوى ما في حديث أبي موسى رضي الله عنه: «إن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤة له فيها أهلون يطوف عليهم» قلت: الحديث الأخير صححه الضياء[(606)]، وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة: «ثم يدخل عليه زوجتاه» [(607)]، والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان» .

وهذا هو الصواب، فأقل ما لكل واحد منهم زوجتان، والصواب أنهما من الحور العين، وليسا من نساء الدنيا، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرًا لقوله: جنتان وعينان ونحو ذلك، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو: لبيك وسعديك، ولا يخفى ما فيه، واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه[(608)]، وهو واضح، لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم: «رأيتكن أكثر أهل النار» [(609)] ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة، لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء» [(610)] ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة، وليس ذلك بلازم لما قدمته، ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة، والله أعلم» .

وقد فات الحافظ رحمه الله ما هو أحسن من هذا، وهو أن أكثرية النساء في الجنة لكون النساء في الجنة من الآدميات ومن الحور العين. وقد نقل النووي في «شرح مسلم» عن القاضي عياض في الجمع بين الحديثين قوله: «فيخرج من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد آدم ، وهذا كله في الآدميات ، وإلا فقد جاء للواحد من أهل الجنة من الحور العدد الكثير» [(611)].

 

}3255{ قوله: «لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ» يعني: إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ» فيه: إثبات للجنة، وأنها موجودة.

وفيه: الرد على المعتزلة.

 

}3256{ هذا الحديث فيه: فضل الجنة وسعتها العظيمة.

وفيه: تفاوت أهل الجنة في الغرف، فيتفاوتون في منازلهم ودرجاتهم تفاوتًا عظيمًا ـ نسأل الله تعالى من فضله، وكل درجة عليا أحسن نعيمًا من الدرجة التي تحتها، والنار ـ والعياذ بالله ـ دركات، كل دركة سفلى أشد عذابًا من الدركة التي فوقها، وفي الحديث: «إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين ما بين السماء والأرض» [(612)].

قوله: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُْفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» يعني: درجات عالية لأهل الجنة فينظرون إلى من في الدرجة العليا مثل ما ننظر الآن إلى النجم الغابر في الأفق في المشرق أو المغرب، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام قالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَْنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» يعني: هذه الدرجات العالية ليست لأنبياء، بل لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، والمراد صدقوا المرسلين حق تصديقهم، ولكمال تصديقهم وقوة يقينهم أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، وتنافسوا في سبل الخيرات، وتسابقوا إليها، وتركوا المكروهات، وفضول المباحات؛ فإذا قوي التصديق وكمل أحرق الشبهات والشهوات، وإذا ضعف التصديق قويت الشبهات والشهوات؛ ولهذا سمي أبو بكر الصديق الأكبر، ودرجة الصديقين تلي درجة الأنبياء، والصديق سمي صديقًا لقوة تصديقه.

  صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ».

فِيهِ عُبَادَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}3257{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُونَ».

 

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان «صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ» ، وقال الحافظ رحمه الله: «هكذا ترجم بالصفة ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية؛ فإنه أورد فيه حديث سهل بن سعد مرفوعًا: «فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ» » اهـ. يعني: هذا فيه بيان العدد وليس الصفة.

قوله: «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ»» . هذا الحديث معلق، وهذا التعليق أشار فيه إلى الحديث الذي في فضل الصيام والجهاد.

وقوله: «دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ» ، المعنى: دعي من باب الجنة الذي أعده الله.

وقوله: «فِيهِ عُبَادَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ؛ يشير إلى حديث عُبادة الذي وصله المؤلف في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء من طريق جنادة بن أمية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إلا الله...» ، وفي آخره: «أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء» [(613)] وهذا فيه إثبات أن الجنة لها ثمانية أبواب، ومعلوم أن النار لها سبعة أبواب ـ نعوذ بالله منها ـ قال الله تعالى في القرآن الكريم: [الحِجر: 44]{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ *}.

 

}3257{ قوله: «فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُونَ» الجنة لها ثمانية أبواب، وفيها باب خاص بالصائمين وهو الريان، وكل باب من الأبواب الأخرى اختص بعمل فذ من أعمال الخير؛ كالجهاد والصدقة وبر الوالدين، فيدخل من كل باب أهله، ومن كان قد ضرب في كل باب من أبواب الخير والإسلام بسهم ـ كأبي بكر الصديق رضي الله عنه ـ فإنه يدعى من أبواب الجنة كلها؛ لما ثبت في «الصحيحين» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر» [(614)] ولما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن المتوضئ إذا توضأ وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» [(615)] ففيه: أن المتوضئ يدعى من أبواب الجنة الثمانية.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد