شعار الموقع

شرح كتاب بدأ الخلق من صحيح البخاري (59-6)

00:00
00:00
تحميل
57

  صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُقْذَفُونَ} يُرْمَوْنَ، {دُحُورًا} مَطْرُودِينَ {وَاصِبٌ} دَائِمٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَدْحُورًا} مَطْرُودًا، يُقَالُ {مَرِيدًا} مُتَمَرِّدًا بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ، {وَاسْتَفْزِزْ} اسْتَخِفَّ {بِخَيْلِكَ} الْفُرْسَانُ، وَالرَّجْلُ الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُهَا رَاجِلٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ {لأََحْتَنِكَنَّ} لَأَسْتَأْصِلَنَّ {قَرِينٌ} شَيْطَانٌ.

}3268{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: «أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي أَتَانِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآْخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآْخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَْعْصَمِ، قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ، فَقَالَ: لاَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ».

}3269{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ».

}3270{ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ» أَوْ قَالَ: «فِي أُذُنِهِ».

}3271{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ».

}3272{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ».

}3273{ «وَلاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوْ الشَّيْطَانِ».

لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ.

}3274{ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَمْنَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَليُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ».

}3275{ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ».

}3276{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ».

}3277{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ».

}3278{ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ: لاِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: حَدَّثنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا [الكهف: 63]{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ.

}3279{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ: «هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

}3280{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَْنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ أَوْ قَالَ: جُنْحُ اللَّيْلِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا».

}3281{ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنْ الأَْنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِْنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ: شَيْئًا».

}3282{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ» فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ.

}3283{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ»، قَالَ: وَحَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.

}3284{ حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ عَلَيَّ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَكَرَهُ».

}3285{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإِْنْسَانِ وَقَلْبِهِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى لاَ يَدْرِيَ أَثَلاَثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلاَثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ».

}3286{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ».

}3287{ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَقُلْتُ: مَنْ هَا هُنَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم؟

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ: الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي عَمَّارًا.

}3288{ قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ أَنَّ أَبَا الأَْسْوَدِ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَلاَئِكَةُ تَتَحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ وَالْعَنَانُ الْغَمَامُ بِالأَْمْرِ يَكُونُ فِي الأَْرْضِ فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ».

}3289{ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ».

}3290{ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ.

قَالَ: عُرْوَةُ فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ.

}3291{ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَْحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ».

}3292{ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثنِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ح وحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ».

}3293{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ».

}3294{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْنَ: نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ».

}3295{ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ».

 

بعد أن انتهى المؤلف رحمه الله من باب صفة الجنة وصفة النار انتقل إلى صفة إبليس وجنوده؛ لأنهم مخلوقون قبل خلق آدم، ولأنهم أكثر من الإنس، والله تعالى قدم الجن على الإنس فقال: [الذّاريَات: 56]{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} وجاء في الحديث أن إبليس لما خلق الله آدم توعده، وحلف أن يتسلط عليه وعلى ذريته، ثم لما دخل الجنة وسوس له؛ فإبليس مخلوق أولاً؛ ولهذا بدأ المؤلف بخلق إبليس وجنوده قبل خلق آدم.

فبدأ بالترتيب: خلق العرش والقلم واللوح المحفوظ والكرسي، ثم خلق السموات، ثم الملائكة، ثم خلق الجنة، ثم خلق النار، ثم خلق إبليس وجنوده، ثم بعد ذلك تكلم عن الجن، ثم خَلْق آدم وذريته.

وفسر المؤلف الكلمات التي لها صلة بالترجمة والتي جاءت في صفة إبليس وجنوده.

قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُقْذَفُونَ} يُرْمَوْنَ» ، يشير إلى قول الله تعالى: [الصَّافات: 8]{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *} يعني: الشياطين إذا استرقوا السمع يرمون بالشهب.

قوله: «{دُحُورًا} مَطْرُودِينَ {وَاصِبٌ} دَائِمٌ» ، يشير إلى قوله تعالى: [الصَّافات: 9]{دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ *}.

قوله: « {مَرِيدًا} مُتَمَرِّدًا» يشير إلى قول الله تعالى في سورة النساء: [النِّسَاء: 117]{إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيدًا *}.

قوله: «بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ» يشير إلى قول الله تعالى: [النِّسَاء: 119]{وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ}. فالشيطان يأمر الناس بتقطيع آذان الأنعام؛ تقربًا لطواغيتهم.

قوله: « {وَاسْتَفْزِزْ} اسْتَخِفَّ» ، يشير إلى قول الله تعالى: [الإسرَاء: 64]{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}.

قوله تعالى: [الإسرَاء: 64]{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}. فسر ابن عباس الخيل والرجِل فقال: « {بِخَيْلِكَ} الْفُرْسَانُ، وَالرَّجْلُ الرَّجَّالَةُ» ، يعني: استفززهم بخيلك والذين يمشون على الأرجل، أي: ابتلى الله الآدميين بالشيطان.

والراجل: جمعه رجالة، ورَجْل بإسكان الجيم، مثل صحب وصاحب، وتجر وتاجر.

قوله: « {لأََحْتَنِكَنَّ} لَأَسْتَأْصِلَنَّ» يشير إلى قول الله عن الشيطان: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأََحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} يعني: لأهلكن ذرية آدم [الإسرَاء: 62]{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأََحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً *}، وهم المخلصون.

قوله: « شَيْطَانٌ» ، يعني: كل إنسان معه قرين والمراد بالقرين الشيطان.

هذه الأحاديث ساقها المؤلف رحمه الله تحت ترجمة «بَاب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ» . وإبليس هو الشيطان، وسمي إبليس من الإبلاس لأنه أُبلِس من رحمة الله عز وجل أي: طُرد، واختلف العلماء هل كان هذا الاسم اسمًا له قبل ذلك أو سمي به بعدما أبلس، والراجح أنه بعدما أبلس من رحمة الله عز وجل سمي بإبليس.

 

}3268{ قوله: «سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ» . وهذا السحر لم يغير شعوره ولا عقله، وليس له تأثير على تبليغ الرسالة والنبوة، وإنما هو شيء يتعلق بأموره الدنيوية؛، وهذا السحر الذي أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من جنس الأمراض التي تصيبه مثل الحمى، وقد أنكر بعض المتكلمين وبعض المبتدعة سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنه لم يسحر؛ لأن القول بأنه سحر يخل بالتبليغ، ويكون هذا موافقًا للكفار الذين قالوا: [الإسرَاء: 47]{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا *} وإنكارهم هذا لا وجه له؛ لأن الحديث ثابت في «الصحيحين» ، والجواب عنه: أن سحر النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلق بعقله ولا شعوره، ولم يؤثر على تبليغ الرسالة، إنما هو شيء يتعلق بأموره الدنيوية حيث يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، حتى إنه خفي على كثير من الناس؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» وأمر بأن تدفن البئر.

فهو من جنس ما أصابه يوم أحد حين كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه[(619)]، وسقط في حفرة وأُدْمي صلى الله عليه وسلم، ومن جنس ما أصابه في مكة لما أراد عقبة بن أبي معيط أن يخنقه وجاء أبو بكر رضي الله عنه وأبعده وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله[(620)].

قوله: «حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا» ، دعا ربه أن يشفيه من هذا المرض فاستجاب الله دعاءه.

وفيه: أنه ينبغي للمسلم المريض أن يدعو ربه ويكرر الدعاء ولا ييأس، فالنبي صلى الله عليه وسلم مضت عليه مدة يعاني من هذا السحر حتى قال بعضهم: إنه مكث أربعين يومًا، كما ذكر المقريزي في «كتاب التوحيد» [(621)]، وهذا القول يفتقر إلى إثبات.

ثم قال لعائشة رضي الله عنها: «أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟» فيه: أن الله يفتي والرسول يفتي والعلماء يفتون، قال الله تعالى في كتابه العظيم: [النِّسَاء: 127]{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} فأخبر الله أنه يفتي.

قوله: «أَتَانِي رَجُلاَنِ» وهو في النوم «فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآْخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ» أي: ملكان يحتمل أنهما جبريل وميكائيل، «فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآْخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟» يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم ما وجعه، فقال الثاني: «مَطْبُوبٌ» ، يعني: مسحور والطب يعني: السحر، وتقول العرب للمسحور: مطبوب تفاؤلاً بالشفاء، كما يقال للديغ: سليم تفاؤلاً له بالسلامة، فقال «وَمَنْ طَبَّهُ؟» يعني: من الذي سحره؟ «قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَْعْصَمِ» ، يهودي ، «قَالَ: فِيمَا ذَا؟» ، يعني: في أي: شيء وضع السحر؟ «قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ» ، المشط: معروف الذي يسرح به الشعر. والمشاقة: هو ما يخرج من الكتان من الخيوط حين يمشق، وفي اللفظ الآخر: «في مشط ومشاطة» [(622)] والمشاطة: الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط، وهذا الخبيث لبيد بن الأعصم أخذ بالمشط وجمع الخيوط أو الشعر الذي يسقط من رسول الله وجعله في جف طلعة ذكر، وهو وعاء طلع النخل ـ والجف يعني: الجوف ـ فأخذه هذا الوعاء وجعل فيه المشط والمشاقة.

قوله: «قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ» وفي اللفظ الآخر: «تحت راعوفة» [(623)] يعني: تحت صخرة في هذا البئر، فمن يستطيع أن يخرج هذا؟!

قوله: «فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعَ» ، أي: بعد أن استيقظ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج السحر من البئر، «فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» ، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة: «باب صفة إبليس وجنوده» ، وقوله: «كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» فيه: وجهان لأهل العلم:

الوجه الأول: أنها مستدقة كرءوس الحيات، يعني: نخل هذه البئر دقيقة كرءوس الحيات، والحية يقال لها: الشيطان.

الوجه الثاني: أن منظرها منفر وأشكالها سمجة.

قالت عائشة رضي الله عنها: «فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ، فَقَالَ: لاَ» . وفي اللفظ الآخر قال: «استخرجتها» ، وتكلم عليها الحافظ في «كتاب الطب» ، وذكر الرواية الأخرى أنه استخرجه، وفي ظاهرها أنه ذهب إلى البئر لاستخراج السحر ثم عدل عن ذلك وأمر بالبئر فدفنت؛ لأنه خشي صلى الله عليه وسلم من إخراجه وإشاعته ضررًا على المسلمين من تذكر السحر وتعلمه؛ ولهذا قال: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» .

وذكر مسلم رحمه الله له روايتين: «أفلا أحرقته يا رسول الله» . وفي لفظ آخر: «أفلا أخرجته» [(624)].

وفيه: دليل على أن السحر إذا أخرج وأحرق يزول ويبطل مفعوله.

وفيه: رد على من يقول: إن السحر إذا أحرقته لا يزول ولا يبطل، فلابد أن يفتت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة رضي الله عنها على قولها أفلا أحرقته، أفلا أخرجته.

وفيه: أن آثار الفعل الحرام يجب إزالتها.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن الساحر ولم يعاقبه؛ درءًا للفتنة لئلا يقع بين قبيلة الساحر والمسلمين فتنة ، ولم يقتله ولم يتكلم وأمر بالبئر فدفنت؛ حتى لا يقع شر، وهذا في حياته صلى الله عليه وسلم، أما بعد وفاته فقال العلماء: إن من سب النبي صلى الله عليه وسلم لا يعفى عنه بل لابد من قتله؛ ولهذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابا سماه: «الصارم المسلول على شاتم الرسول» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفيه: من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالا من شمع ـ تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وإذا فيه إبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ثم يجد بعدها راحة» اهـ. والحديث الذي ورد في هذا فيه ضعف وما جاء فيه من زيادة يحتاج إلى ثبوت.

وفيه: أنه إذا وجد السحر فإنه يستخرج ثم يدفن المكان، وإذا أحرق أو فُتّت زال مفعول السحر حتى لا يبقى له أثر.

 

}3269{ وهذ الحديث فيه: خبث الشيطان وحرصه على إيذاء ابن آدم وإغوائه وإضلاله وإدخال الضرر عليه من أي: وجه، فإذا نام عقد على قافيته ثلاث عقد ويضرب على كل عقدة «عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ» ، فإذا قام وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله والله أكبر الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت العقدة الثانية، وإذا صلى ركعتين انحلت العقدة الثالثة؛ ولهذا يشرع للمسلم إذا قام أن يتوضأ ويصلي ركعتين خفيفتين؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين[(625)].

وعند ذلك يصبح الإنسان نشيطًا طيب النفس، وإن لم يفعل ذلك أصبح خبيث النفس كسلان.

 

}3270{ هذا الحديث فيه: أنه ذكر عند النبي رجل نام حتى أصبح قيل: نام عن قيام الليل، وقيل: نام عن صلاة الصبح، والأقرب أنه نام عن قيام الليل؛ لقوله: «حَتَّى أَصْبَحَ» ، وصلاة الفجر تكون بعد الصبح؛ ولهذا ذكر البخاري رحمه الله هذا الحديث في «قيام الليل» ، وذكره مسلم في «قيام الليل» ، فيكون هذا خاصًّا بقيام الليل.

وينبغي للإنسان أن يكون له شيء من قيام الليل، ولو كان يسيرًا.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ» . وهذا البول حقيقة؛ لأن الشيطان يأكل ويشرب ويبول، وقال بعض العلماء: هو مجاز عبارة عن الكسل والتثاقل، لكن الحقيقة هي الأصل.

وهذا يدل على سوء خلق الشيطان وحرصه على إيذاء ابن آدم وإغوائه وإضلاله.

 

}3271{ في الحديث: مشروعية التسمية والدعاء بهذا الدعاء عند الجماع.

وفيه: دليل على أن التسمية والدعاء بهذا الدعاء من أسباب حماية الولد من أن يضره الشيطان، بشرط أن يقول الإنسان هذا الدعاء عن إخلاص وإيمان والتصديق بفائدته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.

وقوله: «لَمْ يَضُرَّهُ» ، لفظ عام يعني: لم ضره في دينه ودنياه.

 

}3272{، }3273{ قوله: «عَبْدَةُ» ، هو عبدة بن سليمان ـ بإسكان الباء ـ وعبدة هو الذي شك في قوله: «بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوْ الشَّيْطَانِ» .

وفيه: دليل على النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح؛ لأنها تطلع بين قرني شيطان، وكذلك النهي عن الصلاة عند غروبها إذا شرعت في الغروب حتى يتم غروبها؛ لأنها تغرب بين قرني شيطان وهذه من أوقات النهي الضيقة.

وأوقات النهي خمسة: ثلاثة ضيقة قصيرة، واثنان طويلان ، فالوقتان القصيران: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تتضيف في الغروب؛ أما الأوقات القصيرة: بعد طلوعها حتى ترتفع وعند تضيفها للغروب حتى يتم غروبها، والثالث: عند قيامها في وسط النهار حتى تميل للغروب؛ وهذه الأوقات القصيرة لا يصلى فيها ولا تدفن فيها الجنازة، كما في حديث عقبة بن عامر في «صحيح مسلم» : ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة، وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف للغروب[(626)] يعني: تميل للغروب.

والشاهد هنا قوله: «تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» .

 

}3274{ هذا الحديث فيه: مشروعية منع المار بين يدي المصلي إذا أراد أن يمر بين المصلي وبين سترته أو إذا لم يكن له سترة يمنعه أيضًا إذا لم يكن بينهما ثلاثة أذرع، فإذا مر وبينهما أكثر من ثلاثة أذرع فلا بأس؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة وصلى فيها جعل بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع[(627)]، فإذا أراد أحد أن يمر بين يديه قريبًا منه أو بينه وبين سترته إذا كان له سترة يشرع له أن يمنعه، «فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ» مرة ثانية «فَإِنْ أَبَى فَليُقَاتِلْهُ» ؛ ليس المراد المقاتلة بالسلاح بل يدفعه ولو بالقوة؛ «فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . وهذا هو الشاهد للترجمة ويعني: بالشيطان: المتمرد، فكل متمرد من كل جنس يسمى شيطانًا، فالمتمرد من الإنس يسمى شيطانًا، والمتمرد من الدواب يسمى شيطانًا، والمتمرد من الكلاب يسمى شيطانًا.

وفي رواية: «فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين» [(628)] أي: الشيطان هو الذي يحمله على أن يمر بين يدي المصلي.

 

}3275{ هذا الحديث فيه: مشروعية قراءة آية الكرسي عند النوم، وأنها من أسباب حفظ الله عز وجل العبد من الشيطان.

قوله: «لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ» هذا قول الشيطان والنبي صلى الله عليه وسلم أقره، وقال صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ» . فيؤخذ الحكم من تصديق النبي صلى الله عليه وسلم له.

وفيه: دليل على قبول الحق ممن جاء به ولو كان كذوبًا، ولو كان يهوديًّا أو نصرانيًّا ، ولو كان شيطانًا؛ واليهود لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن الله يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع! صدقهم النبي صلى الله عليه وسلم وضحك حتى بدت نواجذه[(629)].

 

}3276{ هذا الحديث في الوسوسة، وأن الإنسان قد يصاب بالوسوسة في التوحيد، بأن يأتيه الشيطان ويوسوس له، ويقول: «مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟» ، يقول: خلقه الله عز وجل إلى أن يقول: من خلق الله عز وجل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ» .

وفيه: أنه إذا حصلت الوسوسة فعليه أن يفعل هذين الأمرين:

أولاً: يستعيذ بالله عز وجل من الشيطان.

ثانياً: ينتهي؛ يعني: يقطع التفكير ويشغل نفسه بأمر آخر.

وجاء في أحاديث أخرى: أن من حصل له وسوسة في التوحيد يفعل أمورًا متعددة، تؤخذ من مجموع النصوص؛ وهي ستة أمور:

اثنان ذكرا في هذا الحديث وهما:

الأول: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

الثاني: الانتهاء وقطع التفكير، واشتغال الإنسان بحوائجه.

وأما الأمور الأخرى فهي:

الثالث: ينفث عن يساره ثلاثًا.

الرابع: يقرأ [الإخلاص: 1-4]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *}.

الخامس: يقرأ: [الحَديد: 3]{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *}.

السادس: يقول: آمنت بالله ورسله، وهذا جاء أيضًا في بعض الأحاديث[(630)].

فهذه الأمور كلها إذا فعلها الإنسان فإن الله تعالى يعافيه من الوساوس.

 

}3277{ قوله: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ» فيه: فضل رمضان؛ فمن فضائل هذا الشهر أنه إذا دخل فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين، يعني: تربط بالسلاسل، وفي اللفظ الآخر: «وصُفدت الشياطين» [(631)]، وفي اللفظ الآخر: «وتغل فيه مردة الشياطين» [(632)] يعني: تربط أيديهم إلى أعناقهم، فلا يخلصون فيه إلى مكان كانوا يخلصون إليه في غيره، والشاهد هو ذكر إبليس وجنوده، وأنهم يسلسلون ويصفدون.

والكفرة والفسقة الذين لا يراعون حرمة هذا الشهر فهؤلاء ليسوا مقصودين بهذا الحديث، فهم على حالهم من كفرهم وضلالهم والشياطين تؤزهم، لكن المقصود هم المؤمنون الموحدون الذين يراعون حرمة هذا الشهر ، فهؤلاء تقل وسوسة الشياطين لهم ، ويقل إيذاؤهم لهم.

 

}3278{ هذا الحديث فيه: الرحلة في طلب العلم.

وفيه: أن العلم فضل من الله، وأنه قد يكون عند المفضول ما ليس عند الفاضل.

وفيه: دليل لقول العلماء: لا يَنْبغْ الرجل حتى يأخذ عمن فوقه وعمن دونه، فموسى عليه السلام نبي كريم وهو من أولي العزم، وأنزل الله عز وجل عليه التوراة ومع ذلك لما أخبره الله عز وجل أن عبدًا بمجمع البحرين أعلم منه رحل إليه، ولما جاء وسلم عليه قال: أَنَّى بأرضك السلام، وقال: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: ما الذي جاء بك؟ قال: أتعلم منك، قال: أما يكفيك التوراة التي أنزلها الله عز وجل عليك؟

والله تعالى جعل له علامة ليجده، وهي أنه إذا فقد الحوت فإنه يرجع فيجده، وكان الحوت مشويًّا، وهو غداء لهما، ولم يجد موسى التعب ولم يحس بالجوع حتى مضت عليه مدة، فلما أحس بالجوع قال لفتاه: هات الحوت، فقال له فتاه، وهو يوشع بن نون: إني نسيت الحوت؛ والشاهد قوله عز وجل: [الكهف: 63]{وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}. ففيه: دليل على أن الشيطان ينسي الإنسان.

 

}3279{ قوله صلى الله عليه وسلم: «هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا» ، وأشار إلى المشرق، والمراد ما هو شرق المدينة وتشمل المشرق الأقصى هي خراسان والصين والعراق فإن الفتن والبدع كلها جاءت من تلك الجهات، بدعة التجهم وبدعة الاعتزال والرافضة كلها من هناك من جهة الشرق، وكذلك الدجال الذي سيخرج آخر الزمان، ويأجوج ومأجوج يخرجون من جهة المشرق، ويشمل كذلك الشرق الأدنى والجزيرة العربية وبلاد نجد، فخرجت منها فتنة مسيلمة الكذاب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة رضي الله عنهم، وسجاح المرأة التي ادعت النبوة وكذلك فتنة مضر فكلها جاءت من هذه الجهة، وهذا فيه علم من أعلام النبوة حيث وقعت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكل الفتن جاءت من المشرق الأدنى والأقصى.

وقوله: «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» ، فيه: إشارة للشيطان، ولا شك أن هذه البدع يصاحبها الشيطان؛ لأنه يحض على البدع والشرك، والمراد بالقرن الناحية.

 

}3280{ هذا الحديث فيه: آداب نبوية أدب بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا فعلها المسلمون حصل لهم كل خير وسلموا من شرور الشيطان، وهذا من نصحه صلى الله عليه وسلم لأمته؛ فعلمهم آداب النوم والأكل والشرب وآداب قضاء الحاجة؛ فعلمهم صلى الله عليه وسلم كل خير، وحذرهم من كل شر.

فالأدب الأول في الحديث قوله: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ» ، يعني: أقبل بعد غروب الشمس «جُنْحُ اللَّيْلِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ» ، وفي لفظ آخر: «لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء» [(633)]، «فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ» ، يعني: إذا غربت الشمس يُكَف الصبيان عن الانتشار؛ والحكمة في ذلك أن الشياطين تنتشر حينئذ، وربما حصل أذى للصبيان، «فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ» ، أي: يمنعون حتى تقرب العشاء ثم يتركون.

والأدب الثاني قوله: «وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» ، فلا يترك الباب مفتوحًا؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا ذكر عليه اسم الله.

والأدب الثالث قوله: «وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» ، وجاء في لفظ آخر زيادة: «فإن الفويسقة تضرم على أهل بيت بيتهم» [(634)] والفويسقة هي الفأرة؛ سميت فويسقة لخروجها عن طبيعة غيرها بالإيذاء، وكانت المصابيح لها فتيل في طرفه نار، فالفويسقة إذا نام الناس جَرّت الفتيل فسقطت على الأمتعة والثياب فأحرقتها، وجاء في الحديث أن بيتًا بالمدينة احترق على أهله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذه النار إنما هي عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم» [(635)].

أما إن لم يكن لمصباح فتيل، مثل المصابيح الكهربائية الآن، فلا بأس؛ لأن العلة قد انتفت.

والأدب الرابع قوله: «وَأَوْكِ سِقَاءَكَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» ، أي: اربط فم الوكاء، وهو الجراب من الجلد، يوضع فيه اللبن والماء؛ فإذا ترك مفتوحًا قد يدخل فيه شيء من الهوام والحشرات.

والأدب الخامس قوله: «وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» ، يعني: غط الإناء ولا تتركه مكشوفًا؛ لأن الإناء لو ترك مكشوفًا سقط فيه التراب والحشرات، وجاء في بعض الأحاديث: «فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء» [(636)].

وقوله: «وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا» ، وفي لفظ آخر: «ولو تعرض عليه عودًا» [(637)] أي: إذا لم تجد غطاء فضع عليه عودًا من الحطب أو من النخل واذكر اسم الله عليه.

 

}3281{ في هذا الحديث مشروعية الاعتكاف ، وأنه سنة مؤكدة ، ولاسيما في رمضان.

وفيه: دليل على أنه لا بأس بزيارة المعتكف، ولو زارته زوجته فلا حرج.

وفيه: أن المعتكف لو جاءته زوجته وزارته فله أن يوصلها إلى بيتها؛ لقول صفية رضي الله عنها: «فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي» ، يعني: يوصلني إلى بيتي، وكانت تسكن في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

وقد ذكر جماعة أنه صلى الله عليه وسلم ما خرج من المسجد، ولكن هذا فيه نظر، والذي يظهر أنه خرج من المسجد؛ ولهذا لما مر رجلان من الأنصار ورأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، يحتمل أنهما أسرعا يريدان أن يتجاوزا النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ولا يكونا قريبًا منه وهو يتحدث مع أهله؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما لما أسرعا: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ، يعني: أنت لست محل تهمة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِْنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ: شَيْئًا» فيه: دليل على أن الإنسان عليه أن يجنب نفسه مواقف التهم؛ حتى لا يقع في قلب من يراه شيء من الظنون السيئة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق دفع ما قد يتوهمه الرجلان وما قد يخطر ببالهما؛ فغيره أولى، فإذا كان يمشي ومعه أهله أو أخته أو أمه ثم رأى أحدًا وخشي أن يتهم يقول: هذه أمي هذه أختي هذه زوجتي هذه من محارمي.

وفيه: دليل على أن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وعلى أن الشيطان يدخل الإنسان.

وفيه: رد على أهل البدع من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: إنه لا يمكن أن يدخل الشيطان الجسد وعارضوا النصوص بعقولهم، فالجسم اللطيف لا مانع أن يدخل في الجسم الثقيل، فالشيطان والجني جسم لطيف فلا مانع أن يدخل الجسم الثقيل مثل الماء في العود والورق، كما أن الدم يسري في الجسم والنار تسري في الفحم وقد قال الله تعالى: [النَّاس: 4-6]{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ *الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ *مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ *}. إذًا الشيطان يوسوس في الصدر، وقال سبحانه: [البَقَرَة: 275]{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}. هذه كلها أدلة ترد على هؤلاء الذين أنكروا دخول الجني أو الشيطان الإنسان.

وفيه: أن الشيطان يوسوس للإنسان وهو لا يشعر ويقذف في قلبه الظنون السيئة والشر.

 

}3282{ هذا الحديث يدل على أن هذا الرجل كان لا يزال في غضبه؛ لأنه لما قيل له: «إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ» .

وفي هذا الحديث: أنه يشرع للمسلم إذا غضب أن يستعيذ بالله عز وجل من الشيطان، وأنه من أسباب دفع الغضب، وقد وردت السنة أنه يشرع للمسلم عدة أمور إذا غضب منها:

الأول: أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما في هذا الحديث، والمعنى: ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا الله، فإذا قالها عن صدق وإخلاص وتدبر فإن الله تعالى يعيذه من الشيطان.

الثاني: أن يغير حاله؛ فإن كان قائمًا فليقعد وإن كان قاعدًا فليضطجع، أو يخرج من المكان حتى يزول غضبه.

الثالث: أن يتوضأ؛ لأن الغضب جمرة من نار والنار تطفأ بالماء، وإن صلى بعد ذلك فحسن.

 

}3283{ هذا الحديث فيه: مشروعية الدعاء قبل الجماع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي» . وفي الحديث الآخر في «باب الدعاء» يقول قبل هذا الدعاء: «بسم الله» [(638)] فيحصل بمجموع الحديثين مشروعية التسمية والدعاء.

وفيه: أنه إذا فعل ذلك وقُدّر بينهما ولد لم يضرَّه الشيطان، وهذا عام إذا قاله الإنسان عن حسن ظن بالله عز وجل وعن تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم مستحضرًا قلبه فإنه يرجى له أن يحصل ما أراد.

والشاهد: ذكر الشيطان.

 

}3284{ هذا الحديث فيه: أن الشيطان يُرى أحيانًا، وهذا الشيطان عرض للنبي صلى الله عليه وسلم فرآه في صلاته، ولكن الأغلب أنه لا يرى [الأعرَاف: 27]{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}. وقد يظهر الجن في صور متعددة؛ فقد يظهر في صورة كلب أو في صورة إنسان أو في صورة حيوان أو في صورة حيات أو عقارب.

وفي الحديث الآخر: «وأردت أن أربطه إلى جنب ساريه من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم أجمعون، قال: فذكرت دعوة أخي سليمان [ص: 35]{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ بَعْدِي}، قال: فرده الله خاسئًا» [(639)] أي: إن الشياطين سخروا لسليمان عليه السلام وهذا مما اختص به سليمان عليه السلام، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ربطه في السارية مشاركة لسليمان في تسخير الشياطين، وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه» [(640)] لأن الشيطان جاء بشعلة ليحرقها في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فخنقه حتى وجد برد لعابه، وهذا دليل على أن الشيطان له لعاب مثل الإنسان.

وهذا فيه: بيان خبث الشيطان وحرصه على الشر؛ فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق لم يسلم منه فكيف بغيره! ولذلك ينبغي للإنسان أن يستعيذ بالله عز وجل من الشيطان دائمًا عن صدق وإخلاص حتى يسلمه الله عز وجل من شره.

 

}3285{ قوله: «إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ» فيه: بيان خبث الشيطان وشدة عداوته للإنسان.

وفيه: أن ذكر الله عز وجل يطرد الشيطان؛ فإذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، وفي اللفظ الآخر: «حتى لا يسمع التأذين» [(641)].

وقوله: «فَإِذَا قُضِيَ» ، أي: الأذان «أَقْبَلَ» الشيطان، «فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ» ، يعني: إذا أقيمت الصلاة، وسميت الإقامة تثويبًا؛ لأنها رجوع إلى ذكر الله عز وجل مرة ثانية والتثويب الرجوع؛ فإذا رجع المؤذن وأقام الصلاة هرب الشيطان، «فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإِْنْسَانِ وَقَلْبِهِ» ، أي: فإذا انتهت الإقامة رجع حتى يدخل بين الإنسان وقلبه فيوسوس له «فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا» ، فينسى «حَتَّى لاَ يَدْرِيَ أَثَلاَثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا» .

قوله: «فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلاَثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ» فيه: مشروعية سجود السهو للنسيان؛ فإذا شك هل صلى ثلاثة أو أربعة، فإنه يعمل باليقين كما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان» [(642)] وإذا كان عنده غلبة ظن فإنه يعمل بغلبة الظن؛ لحديث عبد الله بن جعفر: «من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد التسليم» [(643)].

فإن كان عنده شك وليس عنده غلبة ظن فإن السجود يكون قبل السلام.

 

}3286{ قوله: «يَطْعُنُ» ، بضم العين وفتحها، والضم أفصح؛ لأن الماضي إذا كان ثانيه حرف من حروف الحلق فإنه يضم في المضارع.

وهذا الحديث فيه: منقبة لعيسى عليه السلام، وأن كل بني آدم يطعنه الشيطان بأصبعيه حين يولد في جنبيه غير عيسى بن مريم عليه السلام، أراد أن يطعنه فطعن في الحجاب، والمراد بالحجاب الجلدة التي فيها الجنين والثوب الملفوف على الطفل.

وفي اللفظ الآخر أنه لم يسلط على عيسى عليه السلام ولا على أمه؛ لأن أمها امرأة عمران قالت: [آل عِمرَان: 36]{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *} فاستجاب الله عز وجل دعاءها فأعاذها من الشيطان هي وذريتها.

 

}3287{ الشاهد قوله: «أَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ» ، لأن البخاري رحمه الله يورد في هذا الباب كل حديث فيه ذكر الشيطان.

وفيه: بيان فضل عمار رضي الله عنه وأن الله عز وجل أجاره من الشيطان، وهذا هو الشاهد، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن سلام رضي الله عنه: «أنت على الإسلام حتى تموت» [(644)] وقد يقال: إن هذه شهادة له بالجنة؛ لأن الله أجاره من الشيطان، ومن أجاره الله عز وجل من الشيطان فهو من أهل الجنة؛ لأن أهل النار تسلط عليهم الشياطين.

 

}3288{ قوله: «فَتَقُرُّها» ، بفتح المثناة ثم ضم القاف وضم الراء المشددة؛ يعني: تدر صوتًا كالقارورة.

وقوله: «كَذْبة» ، على وزن ضربة وتمرة وشربة ، وجمعها كذبات ، كضربة وضربات ، وتمرة وتمرات ، وطلقة وطلقات؛ فالمفرد ثانيه ساكن والجمع ثانيه مفتوح.

وفي هذا الحديث: أن الملائكة تتحدث في السحاب بالأمر الذي يكون في الأرض، يعني: أن الله سبحانه وتعالى إذا تكلم بالأمر أصابت الملائكة رجفة شديدة، ويصعقون، ويكون أول من يفيق جبريل عليه السلام، فيتحدث بأمر الله عز وجل، فيتحدث به أهل السماء السابعة، ثم السماء السادسة، ثم التالية، حتى يصل إلى أهل السماء الدنيا، ثم يتحدث به الملائكة في العنان ـ أي: في السحاب ـ والشياطين يركب بعضهم بعضًا في الهواء بدون ملاصقة حتى يسمع الشيطان القريب من السحاب كلام الملائكة فيلقيها إلى من تحته حتى تصل إلى الشيطان الذي أسفله فإذا وصلت للشيطان الذي أسفل ألقاها في أذن الكاهن فيقرها في أذن الكاهن كقر الدجاجة ، أو كما تقر القارورة، فإذا وصلت إلى الكاهن زاد معها مائة كذبة، فإذا أخبر بها الناس صدق الناس الكاهن بكل هذه الكذبات من أجل واحدة، فإذا قيل للناس كيف تصدقون هذا؟ قالوا: أليس قد قال لنا كذا يوم كذا فوقع.

قال العلماء: هذا فيه دليل على خفة عقول الناس وقبولهم للشر والباطل، حيث إنهم يصدقون مائة كذبة من أجل كلمة واحدة من الصدق، والشاهد قوله: «فتسمع الشياطين الكلمة» .

 

}3289{ هذا الحديث فيه: بيان أن التثاؤب من الشيطان؛ لأنه يدل على الكسل والتثاقل عن الخير بخلاف العطاس؛ فالعطاس من الله عز وجل والتثاؤب من الشيطان، كما جاء في حديث آخر[(645)].

وفي الحديث: مشروعية رد التثاؤب بأن يضع يده على فمه؛ لأن الشيطان يضحك منه لمنظره البشع، ولهذا قال: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ» ، ولا ينبغي له أن يتكلم أو يقرأ في هذه الحالة؛ لأنه في هذه الحالة تكون قراءته غير سليمة ويخرج منه صوت غير مناسب.

 

}3290{ قوله: «فَصَاحَ إِبْلِيسُ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ» ، هذا من كيده ، وهو الشاهد للترجمة، وهذا يوم أحد لما هزم المشركون أولاً «فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ» فلما أخلى الرماة أماكنهم حصلت النكسة للمسلمين، «فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ» تحتهم فضربوه بالسيوف حتى قتلوه خطأ ـ وكان مسلمًا ـ وذلك حين اختلط الكفار بالمسلمين فقتلوه ظنًّا أنه من المشركين « فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ: عُرْوَةُ فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ» ، يعني: من عفوه عنهم ودعائه لهم بالمغفرة.

 

}3291{ قوله: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ» ؛ والالتفات نوعان: التفات بالرأس، والتفات بالجسم؛ فالالتفات بالرأس مكروه لغير حاجة، وإذا كان لحاجة فلا شيء فيه ، مثل ما حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لما صلى بالناس حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وجعل الصحابة رضي الله عنهم يسبحون، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته، فلما أكثروا التسبيح التفت فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر وأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى لكنه تأخر فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك» فقال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم[(646)].

أما الالتفات بالجسم واستدبار القبلة فيبطل الصلاة، والالتفات اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة ويعد نقصًا في الصلاة؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ» . والشاهد هو ذكر الشيطان.

 

}3292{ هذا الحديث فيه: بيان أن ما يراه النائم نوعان: قد يكون رؤيا، وقد يكون حلمًا؛ فالرؤيا الصالحة من الله عز وجل والحلم من الشيطان، وهناك نوع ثالث وهو حديث النفس؛ فما ينشغل به الإنسان في اليقظة قد يراه في النوم.

وفيه: بيان ما يشرع للإنسان إذا رأى حلماً، وهو أنه يبصق عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ بالله عز وجل من شرها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ» .

ومجموع ما ورد من النصوص في مشروعية ما يفعله من رأى حلمًا يكرهه خمسة أمور:

الأول: أن يتفل عن يساره ثلاثًا.

الثاني: الاستعاذة بالله عز وجل من الشيطان ومن شر ما رأى.

الثالث: ألا يخبر بها أحدًا، كما في الصحيحين: «ولا يخبر بها أحدًا» [(647)] وروى أيضا في صحيحه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس» [(648)].

الرابع: أن ينام على جنبه الآخر.

الخامس: أن يقوم فيصلي.

 

}3293{ هذا الحديث فيه: فضل الذكر.

وفيه: فضل قول: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» في اليوم مائة مرة.

ولهذا الذكر فضل عظيم وخمس فوائد:

الفائدة الأولى: كأنه أعتق عشر رقاب، والرقاب جمع رقبة، وهي العبد، أي: كأنه أعتق عشرة عبيد.

الفائدة الثانية: يكتب له مائة حسنة.

الفائدة الثالثة: يمحى عنه مائة سيئة.

الفائدة الرابعة: يكون في يومه في حرز من الشيطان حتى يمسي، وجاء في اللفظ الآخر أن من قالها حين يصبح كان له هذا الفضل: «وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح» [(649)].

الفائدة الخامسة: «وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» .

فهذه خمس فوائد عظيمة في وقت يسير؛ قال شيخنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «لو أنفق الإنسان ملايين في معرفة هذا الحديث ما ضاعت نفقته لأنه صار له فضل عظيم» ،والملايين لا تساوي شيئًا؛ لأن الدنيا منتهية، وهذا الذكر فضله عظيم وثوابه باق في الآخرة.

 

}3294{ هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده «نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ» .

ففيه: دليل على أنه لا بأس بكلام المرأة مع الرجل ولاسيما إذا كن جماعة واحتجن إلى السؤال، وما زال الصحابيات يسألن النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتينه؛ فلا بأس أن تستفتي المرأة العالم أو الداعية لكن بغير خضوع بالقول، بل تتكلم بصوت عادي ليس فيه ترخيم؛ ولهذا قال الله تعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم: [الأحزَاب: 32]{فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}.

فالخضوع بالقول هو المحرم، وليس صوت المرأة عورة على الصحيح، لكنها أمرت بخفض الصوت في التلبية وفي غيرها لأنه قد يفتتن بعض الناس بصوتها.

قوله: «فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ» احتجبن منه؛ لأن عمر رضي الله عنه قوي وله هيبة؛ فلما أذن له النبي صلى الله عليه وسلم قابله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك «فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» يعني: ما السبب الذي أضحكك؟ «قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ» ، يعني: تسارعنا اليه : «قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ» يعني: أن الأولى أن يهبنك أكثر مني! ثم ناداهن قال: «أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْنَ: نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رفيق بالناس ليس شديدًا عليهم.

قوله: «قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكََ» . وهذا هو الشاهد، والفج: الطريق، والمراد به الشيطان الذي يسلك طرق الإضلال والإغواء، أما القرين فإنه لا يفارق عمر رضي الله عنه ولا غيره، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه قرين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن» ، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: «وإيأي: إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» [(650)] واختلف العلماء في قوله: فأسلم؛ قيل: فأسلم أي: دخل في الإسلام، وقيل: فأسلم أي: من شره، وإن كان لم يسلم.

 

}3295{ هذا الحديث فيه: مشروعية الاستنثار ثلاثًا عند الاستيقاظ من النوم، ويحتمل أن المراد الاستنثار والاستنشاق في الوضوء، لكن الاستنثار والاستنشاق في الوضوء ليس خاصًّا بالاستيقاظ من النوم فالأقرب مشروعية الاستنثار بعد غسل الكفين في غير الوضوء لأن الشيطان يبيت على خيشومه، ويستحب غسل الكفين ثلاثًا.

وقوله: «يَبِيتُ» دليل على أنه خاص بالليل؛ لأن نوم النهار لا يقال له: بيتوتة.

  ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ

لِقَوْلِهِ: [الأنعَام: 130- 132]{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عمَّا يَعْمَلُونَ *}

[الجنّ: 13]{بَخْسًا} نَقْصًا.

قَالَ مُجَاهِدٌ: ُ ف پ ـ لله  ِ قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَأُمَّهَاتُهُنَّ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ.

قَالَ اللَّهُ: [الصَّافات: 158]{وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ *} سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ [يس: 75]{جُنْدٌ مُحْضَرُونَ *} عِنْد الْحِسَابِ.

}3296{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَْنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: لَهُ إِنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

 

أشار المؤلف رحمه الله إلى وجود الجن وأنهم مكلفون مثل الإنس وهم أحد الثقلين، والله تعالى قدّم ذكرهم في القرآن على الإنس؛ لكونهم أكثر من الإنس وأقدم، قال الله تعالى: [الذّاريَات: 56]{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *}. ومن أنكر وجود الجن من الزنادقة ومن الفلاسفة فإنه يكفر؛ لأنه مكذب للقرآن، ومن كذب القرآن فقد كفر؛ لأنه مكذب لله عز وجل.

وقال الله تعالى: [الرَّحمن: 46]{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *} قيل في أحد تفاسيرها: جنة للخائف الجني وجنة للخائف الإنسي.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن على الجن فكان إذا قرأ هذه الآية: [الرَّحمن: 13]{فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *} رد الجن فقالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، فلما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة رضي الله عنهم من أولها إلى آخرها فسكتوا قال: «لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيت على قوله: [الرَّحمن: 13]{فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *} قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد» [(651)].

فالشاهد: أن الله تعالى خاطب الجن.

والرسل من الإنس، ولم يكن من الجن رسل على الصحيح وإنما فيهم نُذُر، قال الله تعالى: [الأحقاف: 29]{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ *}. ولا يكون الرسل إلا رجالا، وليس من النساء رسول [يُوسُف: 109]{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ}.

أما قوله عز وجل: [الأنعَام: 130]{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا}. قال العلماء: {رُسُلٌ مِنْكُمْ}: يعني: من بعضكم.

فالشاهد: أنه إذا كان الله عز وجل خاطب الجن والإنس بأنه أرسل إليهم رسلاً دل ذلك على أنهم مكلفون لهم ثواب وعليهم عقاب كالإنس [الجنّ: 13]{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤمِنْ بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا وَلاَ رَهَقًا *}.

قوله: « {بَخْسًا} نَقْصًا» . هذا من كلام الجن أنهم قالوا: من آمن بربه فلا يخاف أن ينقص ثوابه؛ فدل على أنهم يثابون.

وقوله: «سَرَوَاتِ الْجِنِّ» يعني: أشراف الجن.

وقوله: « [يس: 75]{جُنْدٌ مُحْضَرُونَ *} عِنْد الْحِسَابِ» ؛ استدل به المؤلف على أن الجن أحد الثقلين، وأنهم مكلفون لهم ثواب وعقاب.

}3296{ قوله: «إِنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ» فيه: استحباب رفع الصوت بالنداء للمؤذن.

وقوله: «فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وفي الرواية الأخرى: « ولا شجر ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة» [(652)]، وفي الحديث الآخر: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» [(653)] وهذا فيه: فضل الأذان والمؤذنين، فهنيئًا للمؤذنين المخلصين.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أشار بهذه الترجمة إلى إثبات وجود الجن وإلى كونهم مكلفين، أما إثبات وجودهم فقد نقل إمام الحرمين في الشامل عن كثير من الفلاسفة والزنادقة والقدرية أنهم أنكروا وجودهم رأسًا، قال: ولا يتعجب ممن أنكر ذلك من غير المشرعين، إنما العجب من المشرعين مع نصوص القرآن والأخبار المتواترة! قال: وليس في قضية العقل ما يقدح في إثباتهم، قال: وأكثر ما استروح إليه من نفاهم حضورهم عند الإنس بحيث لا يرونهم ولو شاءوا لأبدوا أنفسهم، قال: وإنما يستبعد ذلك من لم يحط علماً بعجائب المقدورات. وقال القاضي أبو بكر: وكثير من هؤلاء يثبتون وجودهم وينفونه الآن، ومنهم من يثبتهم وينفي تسلطهم على الإنس. وقال عبدالجبار المعتزلي: الدليل على إثباتهم السمع دون العقل؛ إذ لا طريق إلى إثبات أجسام غائبة؛ لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق ولو كان إثباتهم باضطرار لما وقع الاختلاف فيه إلا أنَّا قد علمنا بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتدين بإثباتهم وذلك أشهر من أن يتشاغل بإيراده وإذا ثبت وجودهم فقد تقدم في أوائل صفة النار تفسير قوله تعالى: [الرَّحمن: 15]{وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ *}» اهـ.

والمقصود: من هذا إثبات الجن وأن لهم ثوابًا وعقابًا، وقد أطال الحافظ ابن حجر رحمه الله كثيرًا في صفة الجن، ثم قال: «وروى البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده عن الربيع سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته إلا أن يكون نبيًّا انتهى، وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من ادعى أنه يرى شيئًا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا يقدح فيه» اهـ.

وهذا هو الأصل، فلقد صورهم الله عز وجل وهو أعلم بكيفيتهم التي خلقوا عليها.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد