شعار الموقع

شرح كتاب أحاديث الأنبياء من صحيح البخاري (60-6)

00:00
00:00
تحميل
55

قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [يُوسُف: 7]{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ *}

}3382{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ _ت.

 

ذكر المصنف رحمه الله قصة صالح عليه السلام بعد قصة لوط عليه السلام، والأَولى أن تكون قصة ثمود قوم نبي الله صالح عليه السلام أولا؛ حيث ذكر الله تعالى في القرآن الكريم قصة قوم نوح ثم قصة قوم هود ثم قصة قوم صالح ثم قصة قوم لوط، عليهم جميعًا الصلاة والسلام.

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}» فيه: أن صالحًا عليه السلام دعا قومه إلى توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك وعبادة ما سوى الله عز وجل فقال لهم: [الأعرَاف: 73]{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

قوله: « {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} مَوْضِعُ ثَمُودَ» ، يعني: الحجر هو الموضع الذي سكنه ثمود قوم صالح عليه السلام، ويسمى أيضًا مدائن صالح.

ثم توسع المؤلف رحمه الله في ذكر معان أخر لكلمة حجر.

قوله: «{حَرْثٌ حِجْرٌ} حَرَامٌ» . كانوا في الجاهلية يشرعون لأنفسهم؛ فكانوا يحلون بعض الأنعام للذكور ويحلون للإناث البعض الآخر، وكذا بعض الحرث حسب أهوائهم؛ ففسر المؤلف رحمه الله كلمة حِجْر بمعنى حرام؛ يعني: حرام على غير من أباحوها له؛ فكل ممنوع فهو حجر، ومنه قوله تعالى: [الفُرقان: 22]{حِجْرًا مَحْجُورًا *}.

قوله: «وَالْحِجْرُ كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ وَمَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ الأَْرْضِ فَهُوَ حِجْرٌ وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ الْبَيْتِ حِجْرًا» والحطيم يسميه بعض الناس حجر إسماعيل، حتى إن بعض العامة ظن أن فيه قبر إسماعيل عليه السلام وهذا باطل، ونسبته إلى إسماعيل عليه السلام ليس لها أصل، وإنما يسمى الحجر والحطيم؛ فيسمى الحجر لأنه محجر أي: محدد، ويسمى الحطيم لأنه حطم وأخرج من البيت.

قوله: «وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ حِجْرٌ وَحِجًى» يسمى العقل حجرًا؛ لأنه يمنع صاحبه عما يضره وعما لا يليق.

 

}3377{ قوله: «رَجُلٌ ذُو عِزٍّ وَمَنَعَةٍ» ؛ هو الذي عقر الناقة التي جعلها الله آية لصالح، ولا شك أنه إذا لم يكن له عز ومنعة ما أقدم على قتلها، ويذكر في كتب التفسير أن اسمه قدار بن سالف، وهذه التسمية تحتاج إلى دليل، والأقرب أنها مأخوذة عن بني إسرائيل.

قوله: «كَأَبِي زَمْعَةَ» يعني: كما أن أبا زمعة في عز ومنعة من قومه؛ فكذلك الذي قتل الناقة كان في عز ومنعة من قومه.

 

}3378{، }3379{، }3380{، }3381{ هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بمرور النبي صلى الله عليه وسلم بحجر ديار ثمود في ذهابه إلى غزوة تبوك، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلوا بالحجر أمرهم ألا يشربوا من بئارها ولا يستقوا منها، ولكن الذين سبقوا وتقدموا أسرعوا واستقوا من البئر وعجنوا؛ فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ذلك الماء ويطرحوا ذلك العجين وأن يعلفوه الإبل، ثم أمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها ناقة صالح، وأما الآبار الأخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم منعها لأنها بئار المغضوب عليهم من الذين ظلموا أنفسهم؛ فلا ينبغي موافقة الظالمين ولا الشرب من مائهم ولا السكنى في ديارهم.

وفي الحديث الثالث والرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن دخول مساكنهم وديارهم إلا على حالة واحدة أن يكونوا باكين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» . ثم تقنع صلى الله عليه وسلم بردائه ـ يعني: غطى رأسه ـ وهو على الرحل وأسرع السير؛ لئلا يرى مساكنهم وديارهم، وقال ابن كثير: «وفي رواية: «فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم» » [(795)]؛ فالحديث دل على تحريم دخول مساكن ثمود إلا على هذه الحال البكاء أو التباكي.

وقوله: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» . هذه العلة تقتضي العموم، وهي عدم دخول مساكن الظالمين المعذبين، والنهي للتحريم، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم الخصوص لقال لا تدخلوا مساكن القوم، لكن لما قال: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» ، دل على العموم أي: مساكن ثمود ومساكن غيرهم، فكل الأماكن التي فيها العذاب لا ينبغي البقاء فيها؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما جاء من المزدلفة إلى منى ووصل إلى وادي محسر أسرع رمية بحجر، والحكمة في ذلك أن وادي محسر هو المكان الذي عذب فيه أصحاب الفيل، لكن الصواب أنه ليس هذا هو المكان الذي عذب فيه أصحاب الفيل ولكنه المغمس، وإنما هو وادي محسر لأنه يحسر سالكه.

فالمقصود: أن العلة عامة فلا يجوز للإنسان أن يدخل مساكن الظلمة والمعذبين إلا على هذا الوصف، إلا أن يكون باكيًا أو متباكيًا خشية أن يصيبه ما أصابهم.

وفيه: أنه لا ينبغي زيارة مساكن الظالمين إلا مع الإسراع والبكاء لا على وجه السخرية واللعب والهزء والضحك، كما يفعل بعض الناس الذين يجعلون مساكن ديار ثمود مكانًا للنزهة ويجلسون فيها ويسافرون إليها.

ولو توضأ بماء من بئر ثمود فلا تصح الصلاة في قول الحنابلة[(796)] وجماعة، وهو المشهور في المذهب، والقول الثاني عند الإمام أحمد رحمه الله[(797)] أنها تصح مع الإثم، وهو الأقرب إن شاء الله تعالى.

 

}3382{ ذكر القسطلاني أنه وقع قبل هذا الحديث في غير رواية الكشميهني ترجمة بلفظ: «باب [البَقَرَة: 133]{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}» .

  قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[يُوسُف: 7]{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ *}

}3383{ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا.

}3384{ حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لَهَا: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» قَالَتْ: إنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ فَعَادَ فَعَادَتْ قَالَ شُعْبَةُ: فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ: «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ».

}3385{ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ كَذَا فَقَالَ مِثْلَهُ فَقَالَتْ مِثْلَهُ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» فَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ حُسَيْنٌ: عَنْ زَائِدَةَ رَجُلٌ رَقِيقٌ.

}3386{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ».

}3387{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ هُوَ ابْنُ أَخِي جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِي لَأَجَبْتُهُ».

}3388{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ رُومَانَ وَهِيَ أُمُّ عَائِشَةَ عَمَّا قِيلَ فِيهَا مَا قِيلَ قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَةَ جَالِسَتَانِ إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنْ الأَْنْصَارِ وَهِيَ تَقُولُ فَعَلَ اللَّهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لِمَ قَالَتْ: إنَّهُ نَمَى ذِكْرَ الْحَدِيثِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَيُّ حَدِيثٍ؟ فَأَخْبَرَتْهَا قَالَتْ: فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: نَعَمْ فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا لِهَذِهِ؟» قُلْتُ: حُمَّى أَخَذَتْهَا مِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنْ اعْتَذَرْتُ لاَ تَعْذِرُونِي فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا أَنْزَلَ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ.

}3389{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أَوْ {كُذِبُوا} قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ {كُذِبُوا} قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا وَأَمَّا هَذِهِ الآْيَةُ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ وَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلاَءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: {اسْتَيْأَسُوا} اسْتَفْعَلُوا مِنْ يَئِسْتُ {مِنْهُ} مِنْ يُوسُفَ {لاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ.

}3390{ أَخْبَرَنِي عَبْدَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ _ت».

 

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ *}» هذه الترجمة عقدها المصنف رحمه الله لبيان قصة يوسف عليه السلام، فبعد قصة يعقوب عليه السلام ذكر قصة يوسف عليه السلام وما يتعلق بها، وما ذكره الله عز وجل في القرآن وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في السنة.

}3383{ هذا الحديث كرره المصنف رحمه الله مرات، في تراجم مختلفة من أجل استنباط المعاني والأحكام.

قوله: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ»» وهذا كما قال الله عز وجل: [الحُجرَات: 13]{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

قوله: «قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ» ، لأنه رابع أربعة أنبياء في نسق واحد: يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله؛ أي: كَرمُ النبوة والنسب.

قوله: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟» ؛ معادن العرب يعني: بيوتاتهم وأنسابهم؛ فالعرب لهم بيوتات وأنساب كما أن العجم لهم بيوتات وأنساب.

قوله: «لنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا» ، يعني: أن القبائل الشريفة والنسيبة وهم على شِرْكِهم كانوا يتصفون بجميل الصفات من إكرام الضيف والشجاعة والنجدة ونصر المظلوم، وهؤلاء الكرماء إذا دخلوا في الإسلام وفقهوا رسخت فيهم تلك الصفات الحميدة؛ لأن الإسلام يحث عليها ويرغب فيها، وكذلك إذا فقهوا حملهم هذا الفقه على المضي والاستمرار في كريم الخصال وجميل الخلال.

 

}3384{ قوله: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» . ذكر المؤلف رحمه الله قصة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس، فقد ذكرها من طريقين:

الطريق الأولى: من طريق عائشة رضي الله عنها.

الطريق الثانية: من طريق أبي موسى رضي الله عنه، وذلك في مرض موته صلى الله عليه وسلم.

قوله: «إنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ» ، وفي اللفظ الآخر: «ما يملك عينه من البكاء» .

وهذا من مناقب الصديق رضي الله عنه أنه كان رقيق القلب كثير البكاء من خشية الله عز وجل، وقالت عائشة رضي الله عنها: إنه ما يصلح أن يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يسمع الناس من البكاء، وكان قصدها أن تصرفه عن هذا الأمر حتى لا يتشاءم الناس به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» ، يعني: في المكيدة ، «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ» أن يصلي بالناس.

 

}3385{ قوله: «فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» ، يعني: إنكن أصحاب مكائد! تظهرن شيئًا وتخفين شيئًا آخر؛ فعائشة رضي الله عنها في الظاهر تقول: إنه رقيق ولا يسمع الناس وفي الباطن تريد ألا يتشاءم الناس به؛ لأنه لا يقوم أحد مقام النبي صلى الله عليه وسلم إلا تشاءم الناس به، وفي اللفظ الآخر قالت: «فأْمُرْ عمر فليصل بالناس» [(798)] ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أمرًا آخر، وهو أن يعلم الناس أن أبا بكر رضي الله عنه هو الأحق بالإمامة.

وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف رفض مشورة النساء، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قبلها في موقف آخر؛ فقد يكون في مشورتهن خير كثير مثلما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يتحللوا بأن ينحروا ويحلقوا فلم يمتثل لأمره أحد ـ لا عصيانًا، بل كانوا يرجون أن يؤذن لهم ـ فدخل مغضبًا على أم سلمة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله ما الذي أغضبك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «ما لي لا أغضب! آمر الناس بالأمر فلا يمتثلون» ، قالت: تريد يا رسول الله أن يمتثلوا؟ قال: «نعم» قالت: لا تكلم أحدًا، اخرج إليهم وابدأ بنفسك، وانحر واحلق رأسك؛ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر بنحر هديه فنحر ثم حلق رأسه فتتابع الناس وكاد يقتل بعضهم بعضًا غماًّ[(799)]؛ لأنهم كانوا يرجون أن يسمح لهم فيدخلوا مكة ويعتمروا؛ فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم تحلل عرفوا أن الأمر انتهى وأنه لا حيلة، وهذا من المشورة الطيبة لأم سلمة رضي الله عنها.

 

}3386{ هذا الحديث فيه: مشروعية القنوت في النوازل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة للمستضعفين ويدعو على الكفرة والمشركين.

وفيه: أنه لا بأس بتسمية من دعا له أو عليه باسمه.

قوله: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . هذا هو الشاهد حيث ذكر يوسف عليه السلام؛ يعني: دعا عليهم أن يسلط الله عز وجل عليهم الجدب كما سلطه على الناس زمن يوسف عليه السلام سبع سنين.

 

}3387{ قوله: «وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ» . سبق هذا الحديث، والشاهد فيه: ذكر يوسف عليه السلام.

 

}3388{ هذا الحديث فيه: ذكر قصة الإفك، وهي مختصرة، فأحيانًا المؤلف رحمه الله ينشط ويذكر قصة الإفك مطولة وأحيانًا يقتصر على موضع الشاهد.

والإفك هو أسوأ الكذب، وقد ذكره الله سبحانه في القرآن الكريم: [النُّور: 11]{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} وذلك أن عائشة رضي الله عنها تخلفت في إحدى الغزوات، وكانت تركب في الهودج الذي يحمل ويوضع على البعير، وكانت رضي الله عنها خفيفة فظن الذين يحملون الهودج أنها فيه، لكنها ذهبت تقضي حاجتها، ومشى الجيش وتركوها ولم يعلموا أنها ليست في الهودج، ثم لما تأخر صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه وجاء في المكان الذي كانوا فيه عرفها وجعل يسترجع ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! فاستترت فخمرت وجهها بجلبابها وكان يعرفها قبل الحجاب، ثم أناخ البعير فركبت وجعل يقودها إلى المدينة؛ فتكلم المنافقون ووشوا حديث الإفك واتهموا عائشة رضي الله عنها بالفاحشة ـ نعوذ بالله عز وجل ـ وقد وقع في ذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم فجلد النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش رضي الله عنهما حد الفرية، ولما انقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا صار الناس يخوضون، وكان عبدالله بن أبيّ ابن سلول رأس المنافقين يستوشي الحديث ويجمعه ويثيره، ولم يمسك عليه شيء لهذا لم يجلد، وكانت عائشة رضي الله عنها جلست مدة في المدينة ما تدري أن الناس يتحدثون فيها؛ فلما علمت غشي عليها، ثم مرضت وصارت تنفضها الحمى وهي معذورة مسكينة مظلومة «فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا لِهَذِهِ؟»» يعني: تنفض من الحمى؛ فقالت أمها: «حُمَّى أَخَذَتْهَا مِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ» أي: من أجل حديث الإفك، ثم اختصر المؤلف رحمه الله القصة فقال: «فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ وَاللَّهِ» تخاطب عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم وأباها «لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي» أي: لئن حلفت أني بريئة ما صدقتموني «وَلَئِنْ اعْتَذَرْتُ لاَ تَعْذِرُونِي فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ» ؛ وفي لفظ أنها قالت رضي الله عنها: «إلا كما قال أبو يوسف» [(800)] وفي لفظ قالت رضي الله عنها: «فالتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه» [(801)] أي: من شدة الحزن والبكاء نسيت اسم يعقوب عليه السلام «فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا أَنْزَلَ» ، أي: براءتها «فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ» يعني: لا أحمد إلا الله عز وجل وذلك لما قالت لها أمها: اذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لا أذهب إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي برأني.

والشاهد قولها: «كَمَثَلِ يَعْقُوبَ» .

 

}3389{ قوله: « [يُوسُف: 110]{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}» ؛ الآية فيها قراءتان، ولما سأل عروة رضي الله عنه خالته عائشة رضي الله عنها عن الآية؛ يعني: هل هي بالتشديد أو بالتخفيف؟ «قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ» ، يعني: كُذِّبوا بالتشديد؛ فقال عروة رضي الله عنه: «وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ» ، استشكل عروة رضي الله عنه أمرًا آخر وهو أن الرسل ليس عندهم ظن بل عندهم يقين أن قومهم كذبوهم فما معنى الآية؟ فأجابته «فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ» ، أي: نادته عائشة رضي الله عنها باسمه مرخما؛ فعرية ترخيم عروة؛ أي: ليس الأمر كما تقول أيها الصغير ـ في العلم والسن ـ «لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ» ، فقال مرة ثانية: «فَلَعَلَّهَا أَوْ {كُذِبُوا}» ، أي: استشكل الظن «قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا» ؛ كأن عائشة رضي الله عنها تقول: لو كانت القراءة بالتخفيف فقد كذبوا من قبل ربهم ـ معاذ الله ـ ثم صرفت عائشة رضي الله عنها معنى الآية فقالت: «هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ وَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلاَءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ» .

إذن عائشة رضي الله عنها فسرت معنى القراءتين، أما قراءة «كُذِّبُوا» بالتشديد فلا إشكال فيها، حيث يعود الضمير فيها إلى الرسل؛ يعني: كذبهم قومهم {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ}؛ الظن بمعنى اليقين كما في قول الله تعالى: [التّوبَة: 118]{وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ}، إنما الإشكال في قراءة التخفيف؛ لذلك قالت عائشة رضي الله عنها: إن هذه الآية في أتباع الرسل لا في الرسل؛ يعني: ظن أتباعهم الذين آمنوا بربهم أنهم كذبوا بسبب يأس الرسل من أقوامهم الذين كذبوهم.

وقول عائشة رضي الله عنها هذا ليس بوجيه لأنه صرف للآية عن ظاهرها، والمعنى الصحيح للآية أنهم كذبوا من قبل أنفسهم بسبب طول البلاء وتأخر النصر لا من قبل الله عز وجل، وفهم عائشة رضي الله عنها أنهم قد كُذِبوا ـ أي: أخبروا بالكذب ـ من قبل الله عز وجل غير مراد وغير صحيح، ولهذا قالت رضي الله عنها: «مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا» فصرفت الآية عن ظاهرها.

وعائشة رضي الله عنها أفقه امرأة وحفظت من العلم شيئًا كثيرًا، وأفادت الأمة، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليها، ولكنها هنا وهمت فهي ليست معصومة، وعد العلماء لها أوهامًا يسيرة، ولكل جواد كبوة.

 

}3390{ سبق شرح هذا الحديث، في أول الباب.

  قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

ُ » ف پ ـ لله   ْ ّ ِ ء ف}! ! ِ

[ص: 42]{ارْكُضْ} اضْرِبْ [الأنبيَاء: 12]{يَرْكُضُونَ *} يَعْدُونَ.

}3391{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لاَ غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ».

 

قوله: « [الأنبيَاء: 83]{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *}» . هذه الترجمة في قصة أيوب عليه السلام حيث كان له مال وصحة بالبدن وأولاد، ثم ابتلاه الله عز وجل وسلط عليه إبليس فأهلك زروعه وأمواله ثم أهلك أولاده، ثم سأل ربه أن يسلط على جسده فمسه الضر وأصابه ألم شديد وجلس مدة طويلة ، ثم دعا الله عز وجل فشفاه الله عز وجل؛ ولهذا يوصف أيوب عليه السلام بأنه أيوب الصابر على البلاء.

قوله تعالى: ، أي: اضرب برجلك [ص: 42]{هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ *} فاغتسل وزال ما به من المرض.

قوله تعالى: [الأنبيَاء: 12]{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ *}، أي: إذا هم منها يعدون.

}3391{ قوله: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ» . هذا من آيات الله عز وجل العظيمة الدالة على قدرته والله على كل شيء قدير، [يس: 82]{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}، «فجعل يحثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنًى بي عن بركتك» .

في الحديث: جواز الاغتسال عريانًا إذا لم يكن عنده أحد، أو أغلق على نفسه الحمام، خلافًا للبعض القائل بأنه يكره للإنسان أن يغتسل عريانًا ولو كان وحده بل يغتسل وعليه ثوب؛ يعني: يصب الماء على جسده وهو لابس ثوبه، وهذا ليس بوجيه؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وهو عريان[(802)]، كما في حديث ابن عباس عن ميمونه رضي الله عنهم وغيره من الأحاديث، والممنوع أن يغتسل عريانًا أمام الناس، أما إن لم يكن عنده أحد أو أغلق على نفسه الحمام فلا بأس أن يخلع ثوبه ويغتسل.

وفي الحديث إثبات النداء والكلام لله عز وجل، والرد على المعتزلة والأشاعرة والجهمية الذين يقولون: كلام الله عز وجل كلام نفسي، والنداء هو الكلام من بعد، والنجاء الكلام من قرب.

فالله تعالى يثبت لنفسه النداء حيث قال تعالى: [الشُّعَرَاء: 10]{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى}، والنجاء، حيث قال تعالى: [مَريَم: 52]{وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا *}.

وفي الحديث أن الله عز وجل نادى أيوب عليه السلام دون واسطة وكلمه دون واسطة.

واستنبط منه بعضهم جواز الحث على الاستكثار من الحلال في حق من وثق من نفسه بالشكر.

وفيه: فضل الغني الشاكر.

 

[مَريَم: 51-52]{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا *وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا *}

كَلَّمَهُ [مَريَم: 53]{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا *}.

يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَللاْثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ نَجِيٌّ وَيُقَالُ {خَلَصُوا نَجِيًّا} اعْتَزَلُوا نَجِيًّا وَالْجَمِيعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ.

}3392{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ رَجُلاً تَنَصَّرَ يَقْرَأُ الإِْنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ وَرَقَةُ: مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.

النَّامُوسُ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ.

 

قوله: « [مَريَم: 51-52]{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا *وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا *}» . فموسى عليه السلام نبي رسول، وهو من أولي العزم الخمسة، [مَريَم: 52]{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا *}، فيه: إثبات النداء والنجاء لله، والنداء يكون من بُعْد، والنِجاء يكون من قرب، فناداه الله عز وجل وناجاه.

وفيه: إثبات الكلام لله عز وجل.

وفيه: منقبة لموسى عليه السلام فهو كليم الرحمن، [مَريَم: 53]{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا *}، هذا من رحمة الله عز وجل له أنه وهب له أخاه هارون نبيًّا يشد أزره.

}3392{ ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها في أول البعثة في قصة نزول الملك على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء يتعبد، جاءه ورآه على الصورة التي خلق عليها فأصابه رعب، «فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ» ابن عمها «وَكَانَ رَجُلاً تَنَصَّرَ يَقْرَأُ الإِْنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ وَرَقَةُ:» يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: «مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى» يعني: صاحب السر الذي يطلعه الله عز وجل عليه، وهو جبريل عليه السلام الذي ينزل بالوحي، «وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا» ؛ لأنه كان رجلا كبيرا طعن في السن فقال: لئن أدركني اليوم الذي تدعو فيه إلى الله عز وجل وتعلن الرسالة ويعاديك قومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، وهذا دليل على أن ورقة كان مؤمنًا لأنه آمن به صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في حالة حسنة.

قول ورقة: «هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى» ولم يقل: على عيسى، مع كون عيسى عليه السلام قبل محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة؛ لأن التوراة وهي شريعة موسى عليه السلام هي الأصل، أما شريعة عيسى عليه السلام وهي الإنجيل فتابعة لشريعة موسى عليه السلام وإن كان الإنجيل فيه تخفيف لبعض الأحكام وشرح لبعضها وإيضاح لبعض المشكل؛ فيكون مستقلًّا من هذه الناحية، والأنبياء من بني إسرائيل ـ من بعد موسى عليه السلام ـ كلهم ملزمون بأحكام التوراة كداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى وأيوب _ت.

  قَوْلِ اللَّهِ عز وجل :

[طه: 9-12]{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى *إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً *فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى *إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً *}

{آنَسْتُ} أَبْصَرْتُ {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} الآْيَةَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُقَدَّسُ الْمُبَارَكُ {طُوى} اسْمُ الْوَادِي {سِيرَتَهَا} حَالَتَهَا وَ{النُّهَى} التُّقَى {بِمَلْكِنَا} بِأَمْرِنَا {هَوَى} شَقِيَ {فَارِغًا} إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى {رِدْءًا} كَيْ يُصَدِّقَنِي وَيُقَالُ مُغِيثًا أَوْ مُعِينًا {يَأْتَمِرُونَ} يَتَشَاوَرُونَ وَالْجِذْوَةُ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنْ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ {سَنَشُدُّ} سَنُعِينُكَ كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهِيَ عُقْدَةٌ {أَزْرِي *} ظَهْرِي {فَيُسْحِتَكُمْ} فَيُهْلِكَكُمْ {الْمُثْلَى} تَأْنِيثُ الأَْمْثَلِ يَقُولُ بِدِينِكُمْ يُقَالُ خُذْ الْمُثْلَى خُذْ الأَْمْثَلَ {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} يُقَالُ: هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ يَعْنِي الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ {فَأَوْجَسَ} أَضْمَرَ خَوْفًا فَذَهَبَتْ الْوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْرَةِ الْخَاءِ {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} عَلَى جُذُوعِ {خَطْبُك} بَالُكَ {مِسَاسَ} مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا {لَنَنْسِفَنَّهُ} لَنُذْرِيَنَّهُ الضَّحَاءُ الْحَرُّ {قُصِّيهِ} اتَّبِعِي أَثَرَهُ وَقَدْ يَكُونُ أَنْ تَقُصَّ الْكَلاَمَ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} {عَنْ جُنُبٍ} عَنْ بُعْدٍ وَعَنْ جَنَابَةٍ وَعَنْ اجْتِنَابٍ وَاحِدٌ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى قَدَرٍ} مَوْعِدٌ {لاَ تَنِيَا} لاَ تَضْعُفَا {يَبَسًا} يَابِسَا {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} الْحُلِيِّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فَقَذَفْتُهَا أَلْقَيْتَهَا {أَلْقَى} صَنَعَ {فَنَسِيَ} مُوسَى هُمْ يَقُولُونَهُ أَخْطَأَ الرَّبَّ أَنْ لاَ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ قَوْلاً فِي الْعِجْلِ.

}3393{ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَْخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ».

تَابَعَهُ ثَابِتٌ وَعَبَّادُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

هذه الترجمة أيضًا في قصة موسى عليه السلام يشرح فيها الآيات التي ذكرها الله عز وجل في أول سورة طه، ويشرح الكلمات ويفسر معناها من باب الفائدة.

قوله تعالى: «{آنَسْتُ}» يعني: أبصر من جانب الطور [طه: 10]{نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} يعني: لعلي آخذ جزءًا من النار نستدفئ به وننير به طريقنا، وكان في هذا الوقت معه أهله فبعدما تزوج إحدى بنتي الرجل الصالح بعدما رعى الغنم عشر سنين سار بأهله وكان الوقت وقت شتاء وفي شدة البرد وقد ضل الطريق فرأى نارًا حول الجبل.

[طه: 10]{فَقَالَ لأَِهْلِهِ امْكُثُوا}، أي؛ ابقوا هنا حتى أَرِدَ هذه النار؛ فإما أن أجد أحدًا عنده خبر يدلنا الطريق وإلا آخذ لكم جزءًا من النار نستدفئ به؛ فلما وصل إلى النار حول الجبل أراد الله عز وجل به خيرًا آخر، فكلمه الله عز وجل وأرسله وأوحى إليه.

في قوله تعالى: «{فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً}» ؛ المقدس أي: المطهر المبارك. و « {طُوى} اسْمُ الْوَادِي» .

قوله: «{سِيرَتَهَا}» لما أمره الله عز وجل أن يلقي عصاه فصارت حية أعلمه سبحانه أنها سترجع إلى حالتها الأولى وأمره أن يذهب إلى فرعون فتكون آية ومعجزة له.

قوله تعالى: «{النُّهَى}» ، يعني: «التُّقَى» .

قوله تعالى: «{بِمَلْكِنَا}» ، أي: «بِأَمْرِنَا» .

قوله تعالى: «{هَوَى}» ، أي: «شَقِيَ» .

قوله تعالى: «{فَارِغًا}» ، أي: صبح فؤاد أم موسى فارغًا من كل شيء إلا من ذكر موسى عليه السلام لما وضعته في التابوت وألقته في البحر.

قوله تعالى: «{رِدْءًا}» ؛ يعني: هارون؛ أرسله معي مغيثًا أو معينًا.

قوله تعالى: «{يَبْطِشَ}» بالكسر وكذلك بالضم «وَيَبْطِشُ» .

قوله تعالى: «{يَأْتَمِرُونَ}» ، أي: «يَتَشَاوَرُونَ» .

قوله تعالى: « [طه: 27]{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *}» كل من لا ينطق بحرف أو فيه تمتمة أو فأفأة يقال: عنده عقدة.

قوله تعالى: «{اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *}» يعني: أن هارون عليه السلام يشده ويقويه.

قوله تعالى: «{فَيُسْحِتَكُمْ}» أي: «فَيُهْلِكَكُمْ» .

قوله تعالى: «{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *}» ، خيفة أصلها خوفة ، فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسر ما قبلها.

قوله تعالى: «{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}» ، أي: على جذوع النخل.

قوله تعالى: «{فَمَا خَطْبُك ياسَامِرِيُّ}» ، أي: ما بالك.

قوله تعالى: «{لَنَنْسِفَنَّهُ}» أي: لنذرينه في البحر؛ يعني: العجل الذي عبدوه وأحرقه موسى عليه السلام.

قوله تعالى: «{قُصِّيهِ}» ، أي: «اتَّبِعِي أَثَرَهُ» .

قوله تعالى «{عَنْ جُنُبٍ}» ، أي: «عَنْ بُعْدٍ» .

قوله تعالى: «{عَلَى قَدَرٍ}» ، أي: على موعد.

قوله تعالى: «{لاَ تَنِيَا}» ، أي: «لاَ تَضْعُفَا» .

قوله تعالى: «{يَبَسًا}» أي: «يَابِسَا» .

قوله تعالى: «{مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ}» . استعارت نساء بني إسرائيل الحلي من آل فرعون، فصهره السامري، وجعله عجلا أجوف، إذا دخلته الريح أحدث صوتاً؛ غواية واستخفافا ببني إسرائيل.

قوله: «فَقَذَفْتُهَا» هذا كلام السامري يقول: قذفت حلي نساء آل فرعون في النار فسبكته فصاغت منه تمثالا في صورة عجل؛ ليعبده بنو إسرائيل.

قوله تعالى: «{فَنَسِيَ}» ، يعني: نسي موسى عليه السلام.

قوله تعالى: «{أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}» يعني: أن العجل لا يتكلم فكيف يصفونه بالألوهية؟!

 

}3393{ هذه قطعة من حديث الإسراء.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى عليه السلام في السماء السادسة، ورأى هارون عليه السلام في السماء الخامسة.

قوله: «هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَْخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ» هو أخ لأنه ليس من آباء النبي صلى الله عليه وسلم، والذي رآه النبي ـ كما حققه شيخ الإسلام رحمه الله ـ أرواحهم، وقد أخذت شكل الأجساد، وإلا فهم ماتوا ودفنوا إلا عيسى عليه السلام.

  قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [طه: 9]{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى *}

[النِّسَاء: 164]{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا *}

}3394{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ مُوسَى وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَرَأَيْتُ عِيسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم بِهِ ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الآْخَرِ خَمْرٌ فَقَالَ: اشْرَبْ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ فَقِيلَ: أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ».

}3395{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ».

}3396{ وَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَقَالَ مُوسَى: «آدَمُ طُوَالٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ».

وَقَالَ: «عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ» وَذَكَرَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ وَذَكَرَ الدَّجَّالَ.

}3397{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ».

 

هذه الترجمة تابعة لذكر قصة موسى عليه السلام.

}3394{ هذا الحديث فيه: ذكر وصف موسى عليه السلام وأنه «رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ» يعني: رجل نحيف، شعره مسترسل، «كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ» ، يعني: من الأزد، وهم المعروفون الآن بغامد وزهران وغيرهما، وهم رجال طوال، وأما عيسى عليه السلام فوصفه بقوله: «رَجُلٌ رَبْعَةٌ» يعني: أنه متوسط لا بالطويل ولا بالقصير، «أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ» كأنه خرج من الحمام جميل المنظر بهيّ الطلعة، وأما موسى عليه السلام فإنه آدم فيه سمرة.

قوله: «وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم بِهِ» يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشبه أباه إبراهيم عليه السلام.

قوله: «أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ» ، هذا كان في السماء في الأفق الأعلى، هداه الله عز وجل للفطرة.

 

}3395{، }3396{ قوله: «لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . ونسبه إلى أبيه متى، وفي اللفظ الآخر: «من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب» [(803)] فالذي يقول: أنا خير من يونس بن متى عليه السلام كاذب، ولا يمكن أن يقول هذا نبي، وأما غير النبي فإنه كاذب إذا قال: إنه خير من النبي؛ لأن يونس بن متى عليه السلام لما دعا قومه إلى الإيمان بالله فلم يجيبوه تركهم وركب السفينة ثم ألقي في البحر فأنجاه الله، فقد يظن بعض الناس أنه قصر في دعوة قومه ولم يصبر، فيقول: أنا خير من يونس بن متى عليه السلام.

ثم ذكر وصف موسى عليه السلام وأنه «لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» ؛ وهذا هو الشاهد.

قوله: «عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ» ؛ مربوع: أي: متوسط الطول، وجعد يعني: غير مسترسل الشعر.

 

}3397{ يوم عاشوراء هو يوم العاشر من محرم، وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه، وفي رواية مسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» [(804)] وفي لفظ: «صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده وخالفوا اليهود» [(805)] وفي لفظ: «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده» [(806)] لكن بسنده لين؛ لأن في سنده رجل سيئ الحفظ.

والشاهد: ذكر موسى عليه السلام وأنه صام اليوم العاشر من المحرم.

  قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[الأعرَاف: 142- 143]{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ *}

يُقَالُ: دَكَّهُ زَلْزَلَهُ [الحَاقَّة: 14]{فَدُكَّتَا} فَدُكِكْنَ جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: [الأنبيَاء: 30]{أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} وَلَمْ يَقُلْ: كُنَّ رَتْقًا مُلْتَصِقَتَيْنِ {أُشْرِبُوا} ثَوْبٌ مُشَرَّبٌ مَصْبُوغٌ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: انْبَجَسَتْ انْفَجَرَتْ [الأعرَاف: 171]{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} رَفَعْنَا.

}3398{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ».

}3399{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ».

 

المؤلف رحمه الله ذكر هذه الآية من سورة الأعراف في قصة موسى عليه السلام، ثم فسر بعض الكلمات.

قوله تعالى: [الأعرَاف: 143]{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}، فسر كلمة دكًّا فقال: «دَكَّهُ زَلْزَلَهُ» .

وقال في قوله تعالى: [الحَاقَّة: 14]{فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً *}: «فَدُكِكْنَ جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ» ، أي: كأن الجبال كلها جبل واحد.

ثم ذكر قوله تعالى: « ُ ي ى و ه ن ِ » ، وهذا استطراد؛ يعني: دكًّا جاءت مفردة، مثل رتقًا من باب الفائدة.

 

}3398{ هذه منقبة لموسى عليه السلام أنه أول من يفيق، ولكن هذه المنقبة وهذه الفضيلة فضيلة خاصة لا تقضي على الفضائل العامة، كما أن إبراهيم عليه السلام أول من يكسى في الموقف، ولا يلزم عنه أنه أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فالقاعدة أن الفضيلة الخاصة لا تقضي على الفضائل العامة، ونبينا صلى الله عليه وسلم له فضائل عامة،قال صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع» [(807)]وهذا الصعق يكون في موقف القيامة وهو غير الصعق الذي يكون في الدنيا حين ينفخ في الصور ثم ينفخ الثانية فيكون البعث، وسبب هذا الصعق ـ الذي في موقف القيامة ـ مجيء الله عز وجل لفصل القضاء؛ فالصعق الأول في آخر الدنيا حيث يصعق الناس ويموتون، ثم تأتي صعقة البعث بعد أربعين، ثم إذا وقف الناس في موقف القيامة صعقوا هذه الصعقة لتجلي الله عز وجل لفصل القضاء، ويكون أول من يفيق نبينا صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ» ، أي: إما إنه لم تصبه الغشية مجازاة له بالصعقة التي حصلت له في الدنيا عند جبل الطور ، أو أنه صعق وأفاق قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلى كل حال فهي منقبة لموسى عليه السلام إن كان لم يصعق فهذه منقبة، وإن كان صعق وأفاق قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فهي منقبة.

 

}3399{ سبق هذا الحديث: أن بني إسرائيل كنزوا اللحم فخنز ـ يعني: أنتن ـ لأنه لم يكن عندهم ما يحفظون فيه اللحم.

قوله: «وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ» . ليس خيانتها فيما يتعلق بالعرض، وإنما هي خيانة المعصية؛ كأن تكون زينت له الأكل من الشجرة.

  طُوفَانٍ مِنْ السَّيْلِ

يُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ طُوفَانٌ الْقُمَّلُ الْحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَمِ [الأعرَاف: 105]{حَقِيقٌ} حَقٌّ.

[الأعرَاف: 149]{وَلَمَّا سُقِطَ} كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ.

 

هذه الترجمة أشار بها المصنف رحمه الله إلى قوله تعالى: [الأعرَاف: 133]{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ}، وفسر الطوفان بالسيل، قال: «يُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ طُوفَانٌ» .

قوله تعالى: «الْقُمَّلُ» ، هو «الْحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَمِ» .

قوله تعالى: «{حَقِيقٌ}» يشير إلى قول موسى عليه السلام لفرعون: [الأعرَاف: 105]{حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}، وحقيق يعني: حق كل ما جئتك به.

وقوله تعالى: « ُ و ه ن م ل ك ق ف ِ » ، يعني: لما عبد بنو إسرائيل العجل سقط في أيديهم، يقول المؤلف رحمه الله: «كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ» ، أي: لما بين موسى عليه السلام ضلالهم ندموا.

 حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى _ث

}3400{ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ شَأْنَهُ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ فَجُعِلَ لَهُ الْحُوتُ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ فَكَانَ يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} فَقَالَ مُوسَى: [الكهف: 64]{ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا *} فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ».

}3401{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ: لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: بَلَى لِي عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ: أَيْ رَبِّ وَمَنْ لِي بِهِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: أَيْ رَبِّ وَكَيْفَ لِي بِهِ قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ وَرُبَّمَا قَالَ: فَهُوَ ثَمَّهْ وَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَرَقَدَ مُوسَى وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ [الكهف: 61]{فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا *} فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ فَقَالَ: هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ « [الكهف: 62]{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا *} وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ قَالَ لَهُ فَتَاهُ: [الكهف: 63]{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا *} فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلَهُمَا عَجَبًا قَالَ لَهُ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ مُوسَى فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ قَالَ: أَنَا مُوسَى قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي [الكهف: 66]{مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا *} قَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ [الكهف: 71]{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا *} فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنْ الْبَحْرِ إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ؟ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا [الكهف: 71-73]{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا *قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا *} فَكَانَتْ الأُْولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ مُوسَى: [الكهف: 74-77]{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا *قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا *فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا *} مَائِلاً أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ سُفْيَانُ كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلاً إِلاَّ مَرَّةً قَالَ: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ [الكهف: 77-78]{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا *قَالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *} قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا».

قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوْ كَانَ صَبَرَ لَقُصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا».

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ.

ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ قِيلَ لِسُفْيَانَ حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ.

}3402{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ ابْنُ الأَْصْبِهَانِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ».

}3403{ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ [البَقَرَة: 58]{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ».

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد