الخطبة الأولى
الحمد لله الذي شرع لعباده الأحكام والسنن، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حرّم الزنا وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل داعٍ إلى الفضائل، وأتقى الناس لله في السر والعلن، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل الطهر والعفاف وكل فعل جميل وقول حسن، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون .. اتقو الله تعالى واعلموا أن من صفات المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها، حفظ الفروج من الزنا واللواط وغيرهما مما حرم الله تعالى فقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون :5]، ثم قال في بيان جزائهم: أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون :10-11]، وأثنى علهيم في موضع آخر في اتصافهم بأوصاف، منها حفظ الفروج وبين أن جزاءهم دخول الجنات والتنعُّم فيها إكراماً لهم فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج :29]، ثم قال: أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج :35]. وبيَّن الله في كتابه أن حفظ الفروج لا يلزم المؤمنين عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بعقد الزواج أو بملك اليمين ــ وهو التمتع بالسراري ــ وأنه لا لوم عليهم في ذلك، وأن من ابتغى تمتعاً بفرجه وراء ذلك غير الأزواج والمملوكات فهو من المعتدين المتعدّين حدود الله المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرّمه فقال تعالى في سورتين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ [المعارج :29-31].
أيها المسلمون: إن الزنا ليس من صفة المؤمنين حقاً ؛ لأنه ينافي حفظَ الفروج الذي أخبر الله أنه من صفة المؤمنين المفلحين، ولذا حرّمه الإسلام، ونهى الله عباده عنه وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه، وبيّن أنه فاحشة وأنه بئس طريقاً ومسلكاً، فقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء :32] فنهى الله عن قربان الزنا ويشمل هذا النهي فعلَ الفاحشة الشنعاء حقيقة، ويشمل مقدماته التي هي وسائل مؤدية إليه، وسمّى الله الزنا فاحشة أي إثماً يُستفحش في الشرع والعقل والفطر، وما ذاك إلا لتضمُّنه التجرّي على الحرمات في حق الله وفي حق المرأة وفي حق أهلها وزوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد، ولذلك يقول الحقُّ سبحانه: وَسَاءَ سَبِيلاً أي بئس السبيل سبيلَ من تجرّأ على هذا الذنب العظيم.
عباد الله: ومن تأمل نصوص الشريعة الغرّاء وجد أنها حرّمت الزنا تحريماً باتّاً بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، بل وسدّت كل طريق يُوصّل إليه، فحُرّمت خلوة الرجل بامرأة ليس لها بمحرم، وحرّمت لمس من لا يحل من النساء ومتابعة النظر فيها برغب وتلذذ وارتياح، وحرّمت استماع ما فيه لين وخضوع من أصوات النساء وأشباه النساء، وما عنايتها بقطع الطرق والأسباب التي قد توقع فيه إلا رحمة بالإنسانية وحفاظاً على المجتمعات، وإبقاءً على الأفراد من مغبّة الزنا ووخامته وشر عقباه.
عباد الله: كيف يجرؤ على ارتكاب جريمة الزنا من لـه مُسكة من عقـــل وإيمان ؟!! وقد سمع ما ورد في ذلك من الوعيد الشديد، وإن الله أثنى على المؤمنين في حفظهم لفروجهم ووعدهم على ذلك الأجر العظيم والإكرام في الجنات والتنعّم فيها، وجريمة الزنا تضادّ هذه الصفة وتنافي هذه الخصلة الحميدة وذلك لما في هذه الجريمة من الشرور والآثام والجنايات العظيمة والأضرار الكثيرة المتعدية إلى الآخرين منها :
1- الزنا جريمة خلقية تهدم الأخلاق الفاضلة.
2- الزنا جريمة تُذهب الغيرة الدينية.
3- الزنا جريمة تذهب بالحياء وماء الوجه.
4- الزنا جريمة مستفحشة شرعاً وعقلاً وفطرة.
5- الزنا تجرّؤ على محارم الله وتجاوز لحدوده.
6- الزنا جناية على الزوج وانتهاك لحرمته.
7- الزنا جناية على الزوجة وإلصاقٌ للعار بها ونزعُ لمسة العفاف منها.
8- الزنا إفساد لفراش الزوج وتفريق بين الزوجين وتشتيت للأسرة.
9- الزنا جناية على الإسلام واستخفاف به وتسبب في إيجاد أولاد غير شرعيين.
10- الزنا جناية على المسلمين وزرعٌ للبغضاء والأحقاد فيما بينهم واختلاط للأنساب.
11- الزنا جناية على أهل الزوجة وإلحاقٌ للعار بهم.
12- الزنا جناية على أقارب الزوج وتشويهٌ لسمعتهم وخدش لكرامتهم.
أيها المسلمون: لهذه الشرور والآثام والجنايات وغيرها في الزنا حرَّم الإسلام فاحشةَ الزنا وتوعّد صاحبها بوعيـــد شديــــد ونهى عنها صراحةً وبأسلــــوب في غاية الشدّة والزجر، وبعبارة تقشعّر منها جلود الذين يخشون ربهم ويخافون يوماً كان شره مستطيراً، وعلّل ذلك بأن الزنا عمل إجرامي فاحشٌ متناهٍ في القبح والفحش والشناعة فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً، وعاقب الله الزاني في الدنيا بأشدِّ عقوبة وأعظمها، فأمر بقتله أشنع قِتْلة إن كان محصناً وذلك بأن يُرجم بالحجارة حتى يموت، وذلك ليصل الألم إلى كل جزء من أجزائه كما وصلت اللذة المحرمة إلى جميع أجزائه، جزاءً وفاقاً، والله حكيم عليم، فجدير بالمسلم أن يبتعد كل البعد عن هذه الفاحشة ــ وقد علم ما يترتب عليها من الشرور والآثام ــ ليسلم من العقوبة في الدنيا والوعيد الشديد في الآخرة وليحصل على الوعد الكريم من الله لمن اجتنب الكبائر في قولـه تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء :31]، وقولـه عليه الصلاة والسلام: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة [1].
فاتقوا الله واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم، وراقبوا ربكم لتنالوا ذلكم الوعد الكريم.
اللهم اجعلنا من الحافظين فروجهم والحافظات، ووفقنا للطهر والعفاف وجنبنا الفواحش والمنكرات، وبارك لنا في القرآن وانفعنا بما فيه من الآيات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وقد سمعتم بشاعة وشناعة فاحشة الزنا وما رتب الله على مرتكبها من العقوبة، وقد أحاط الإسلام هذه الفاحشة بأمور وأشياء منع منها حماية لها حتى لا تقع، وهذه الأمور أسباب ودواع ما نعة لهذه الجريمة، من ذلك أن الإسلام منع الخلوة بالمرأة الأجنبية فقال ﷺ: لا يخلونّ رجلٌ بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما [2]، ومن ذلك منع الإسلام سفر المرأة وحدها فقال ﷺ: لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم [3].
وإن من أسباب ودواعي وقوع الجريمة هؤلاء الخدم وقائدو السيارات الذين امتلأت بهم بيوتنا، فتجد قائد السيارة يدخل في البيت بدون استئذان والنساء أمامه سافرات عن الوجوه والأذرع والسيقان والصدور، وقد يدخل على المرأة وحدها وهي في البيت على هذه الحال كأنه زوجها، ويحملها معه ويقود بها السيارة وحدها، ويذهب بها إلى حيث شاءت، ما المانع من فعل الجريمة والحالة هذه والشيطان ثالثهما ؟ وقد يحمل معه البنت التي لم تتزوج ويقود بها السيارة .
وقد تكون الخادمة امرأة شابة فتكون سافرة أمام صاحب البيت وأولاده الذكور وقد يحملها أحدهم معه في السيارة ويذهب بها إلى حيث شاء، ما المانع من فعل الجريمة والحالة هذه ؟ أين العقول والأفهام ؟ أين الغيرة الدينية ؟ أين الحمية والشيمة العربية ؟ أين الرجولة والشهامة ؟
يا لها من مصيبة !! كيف وصلت الحال بذوي العقول إلى هذا المستوى كيف؟.
- ^ صحيح البخاري ، كتاب الرقاق (6474).
- ^ مسند الإمام أحمد ، رقم (114)، صحيح ابن حبان ، كتاب السير (4576)، المستدرك للحاكم ، كتاب العلم (390)، وأوله في الصحيحين ، عن عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه: سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم". البخاري (3007)، ومسلم (1341).
- ^ صحيح البخاري ، كتاب التقصير (1088)، صحيح مسلم ، كتاب الحج (1339) مختصرا .