شعار الموقع

السـفور والحجاب.

26

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أمر بالحجاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لـه رب الأرباب، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسولـه وصفيّه وخليله حثّ المرأة على الحشمة والتزام الآداب، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان في فعل النافع من الأسباب، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى واستمعوا إلى بعض النصوص التي تدل على وجوب تحجب المرأة عن الرجل الأجنبي وعدم تعرضها للفتنة وأسباب الفساد، وعدم خلوة الرجل الأجنبي بها.

أيها المسلمون: هذه النصوص التي سمعتم فيها الدلالة على احتجاب جميع بدن المراة عن الرجال الأجانب ويتبين لنا أن القرآن الكريم دل دلالة واضحة على الحجاب، وحُكم آية الحجاب عام، قال تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ إلى قولـه: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور :31]، وقال: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب :53]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ[الأحزاب:89]، وحديث:  إياكم والدخول على النساء [1]، وحديث:  ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما [2].

ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواج الني ﷺ فلا شك أنهن خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطهارة التامة وعدم التدنّس بأنجاس الريبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين ــ كالدعاة للسفور والتبرج والاختلاط اليوم ــ من الاقتداء بهن في هذا الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض، والطهارة من دنس الريبة فهو غاشّ لأمة محمد ﷺ مريض القلب.

وقد ذكر العلماء لخروج المرأة إلى المسجد شروطاً مأخوذة من الأحاديث وهي أن لا تكون متطيبة، فإن المتطيبة ليس لها الخروج إلى المسجد لأنها تحرك شهوة الرجال بريح طيبها، وألحقوا بالطيب ما في معناه كالزينة الظاهرة وصوت الخلخال والثياب الفاخرة والاختلاط بالرجال ونحو ذلك بجامع أن الجميع سبب الفتنة بتحريك شهوة الرجال، وألحق بعض العلماء بذلك الشابة مطلقاً لأن الشباب مظنة الفتنة وخصّصوا الخروج إلى المساجد بالعجائز، واشترطوا أن لا يكون في الطريق ما يخاف فيه مفسدة، وجامع هذا شيء واحد وهو كون المرأة وقت خروجها للمسجد ليست متلبسة بما يدعو إلى الفتنة مع الأمن من الفساد، فإن تلبست بما يدعو إلى الفتنة منعت مثل ما أحدثه بعض النساء من دخول المسجد في ثياب قصيرة هي مظنة الفتنة، ومزاحمتهن للرجال في أبواب المساجد عند الدخول والخروج.

أيها المسلمون: وإذا كانت المرأة تمنع من الخروج  إلى المسجد عند خوف الفتنة فإن منعها من الخروج إلى الأسواق ومجامع الرجال من باب أولى لا سيّما وأن كثيراً من النساء في هذا الزمن يخرجْن بثياب ضيّقة تبيّن مقاطع المرأة بثياب قصيرة تكشف معها المرأة عن الساقين والذراعين وربما كشفت عن شيء من العضدين، وقلّ الحياء وضعف الوازع الديني عند كثير من النساء حتى إن المرأة ربما تكشف وجهها وذراعها أمام صاحب الدكان وربما ضاحكته أو مازحته بالإضافة إلى أن هذه الأسواق مزدحمة بالغادين والرائحين من الرجال والنساء المختلطين، مما يُحتّم منع النساء من الخروج وإلزامهن البيوت ولا يخرجن إلا لما لابدّ منه ويكن محتشمات في زيّهن ولباسهن ومشيهن بعيدات عن الرجال والاختلاط بهم قبل أن تندلع نار فتنة فتأتي على الأخضر واليابس، وبالتالي حلول العقوبات والمثلات التي حلت بمن كان قبلنا وبمن جاورنا.

أيها الناس: كانت المرأة قبل الإسلام مهضومة مظلومة معدودة عند كثير من المجتمعات في سِقط المتاع، وكانت أوروبا وقوانينها الآثمة تسمح للآباء والأزواج أن تُؤجَّر المرأة وتباعَ وتعارَ وتشترى، وكانت شريعة الرومان تكُمّ فم المرأة عن الضحك والكلام وتلحقها بالكلاب وضواري السباع، وتنازعت بعض المجتمعات في المرأة هل هي إنسانة أو شيطانة، وكان العرب في الجاهلية يرثونها كبيرة ويئدونها صغيرة، ولا قيمة لها عندهم ولا وزن، فلما جاء الإسلام وأخرج المرأة من الظلمات إلى النور فارتفعت في إنسانيتها غاية الارتفاع، وصارت مكلّفة ومطلقة التصرّف ومشاركةً للرجال في كثير من الأحكام والأوضاع يكلمها رسول الله ﷺ ويخاطبها القرآن فيخبرها أن عملها كعمل الرجال عند الله لا يُضاع، ويحدّ لها حدوداً ويفرض عليها واجبات ويُخفّف عنها من الأحكام ما تعجز عنه رقّة عاطفتها وضعفُ طبعها، وأمر بحسن معاملتها، قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء :124]، وقال تعالــى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل :97].

أيها المسلمون: أيّ شيء تريده المرأة بعد هذا وقد نطق القرآن بقول الله جل ذكره: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة :228]، وأي شيء يريده أدعياء المدنية من تحرير المرأة والخروج بها عن الصراط المستقيم، أيُعَدّون الحجابَ ولبس العباءة والجلباب هضماً لحقها وحكماً برقِّها، كذلك يدّعي كل أفّاك أثيم، إن المبالغة في ستر المرأة بالتزام خدرها وحفظها لهو منتهى سعادتها وغاية صونها عما يريد بها الفاحش الزنيم، وإذا اختلط الرجال بالنساء واجتمعوا في المجالس والأندية والأسواق والمعامل فقُل على دنيا العفاف والأخلاق السلام، وهل أوقع الناس في البلاء وساقهم إلى الغناء إلى ظهور الزنا واختلاط الرجال بالنساء، وما تفسد الأخلاق في أمة إلا وسقط كيانها وأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقُهم ذهبوا

كذب وزور ما يدعيه محررو المرأة أنصار السفور، وفتنة يسوقونها إليه من مشاركة الرجال في المصانع والمتاجر والمكاتب والمعامل والحدائق وميادين الرياضة ومستحمّات أهل الفجور، وماذا يصنع الرجل بالمراة إذا لم يكن له عليها بالمعروف نفوذ، ولربّات الحجاب مع أزواجهن في الأكواخ حياة هي أسعد من حياة السافرات في القصور، ومتى تكشّفت المرأة في الأسواق والشوارع والمجتمعات العامة غاض ماؤها وذهب بهاؤها، وإذا صافحت ومازحت تساهلت بعرضها وتسامحت فكانت مخالفة لهدي الإسلام فيحلّ بها الدبور ووقعت في الويل والثبور.

أيها المسلمون: ما أمرت المرأة بالحجاب إلا لتُصان، فإن السفور محنة، والاختلاط بالرجال فتنة، وقلة الحياء من ضعف الإيمان، ونبذ التعاليم الدينية من ضعف الكيان، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: صنفان من أهل النار لم أرهما، قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليُوجد من مسيرة كذا كذا . رواه مسلم[3].

اللهم استر على نساء المسلمين، واجعلهن من أهل الطهر والعفاف، وجنبّهن الفضيحة والعار، وغضبك يا جبّار، ووفقنا جميعاً لما يرضيك يا غفار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،  اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أما بعد: اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أسباب الفتنة وأسباب الوقوع في الجريمة هؤلاء الخدم من الرجال والنساء الذين امتلأن بهم بيوتنا، وهؤلاء الذين يقودون السيارات، فقد اسرف الناس في مجتمعنا باستجلاب هؤلاء الخدم وقائدي السيارات، فحصلت بذلك الفتنة العظيمة ووثق الناس بهؤلاء الخدم وقائدي السيارات ثقة تامة، وأطلقوا لهم العنان في الدخول على النساء والخلوة بهن مجتمعات أو فرادى، والذهاب بهن في السيارات إلى حيث شئن من دون قيود ولا حدود، والذهاب بهن إلى الأسواق ومجتمعات الرجال وتتساهل المرأة في الحجاب والتحجب أمام هؤلاء الأجانب إلى أبعد الحدود، فالمرأة تبدو أمام هؤلاء بزينها بثيابها الضيقة أو القصيرة التي تبرز مفاتن المرأة وتكشف المرأة أمامهم ساقيها وعضديها، وقد تكشف وجهها ولا تحتجب عنهم، كما أن الخدم من النساء يأتين سافرات الوجوه والعضدين والساقين أمام مخدومهن وأولاده بل وأمام الناس جميعاً وهذا من أسباب الفتنة، ومن أسباب وقوع جريمة الزنا والعقوبات والكوارث التي تحل بالأمم، والرجل ذئب المرأة لا يؤمن عليها كما لا يؤمن الذئب على الشاة القاصية من الغنم، وهذا سعيد بن المسيب الورع العالم الزاهد إمام التابعين يقول: "والله لو ائتمنوني على قصور مملوءة ذهبا لوجدت نفسي أميناً، ولو ائتمنوني على جارية سوداء لما وجدت نفسي أميناً".

فالرجل مهما بلغ من النزاهة والأمانة فلا يؤمن على المرأة، والنبي ﷺ يقول: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء [4].

وشرح حديث: صنفان من أهل النار لم أرهما[5] يستغرق خطبة كاملة بالإضافة إلى الحديث عن الخدم، وقد قام كثير من الناس بواجب النفقة والكسوة والسكنى ولم يقوموا بواجب الرعاية والتعليم والحماية والصيانة للخُلق والعرض.

  1. ^ صحيح البخاري ، كتاب النكاح (5232)، صحيح مسلم ، كتاب السلام (2172).
  2. ^ سبق تخريجه .
  3. ^ صحيح مسلم ، كتاب اللباس والزينة (2128).
  4. ^ صحيح البخاري ، كتاب النكاح (5096)، صحيح مسلم ، كتاب الرقاق (2740).
  5. ^ سبق تخريجه قريبا.
logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد