شعار الموقع

بدع شهر رجب والاحتفال بليلة الإسراء.

28

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كاشف الكرب والغُمّة، وأشهد أن سيدنا  ونبينا محمداً عبده ورسوله نبيّ التوبة والرحمة، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسار على نهجهم من هذه الأمة، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الناس .. اتقوا الله تعالى .

عباد الله: لقد حذر النبيُ ﷺ وأصحابُه فمَن بعدهم الناسَ البدعَ ومحدثات الأمور، وأمروهم بالاتباع والأخذ بما في كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف :3]، وقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام :153]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء :59]، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى :10].

وعن عبدالله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: ما من نبي بعثه الله في أُمَّة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره [1]. وفي رواية: يهتدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم إنها تخلُف من بعدهم خلوف يقولون ما يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل [2].

وروى مسلم في صحيحه عن جابر قال: كان رسول الله ﷺ إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: "صبحكم ومسّاكم " ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين ــ ويقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى ــ ويقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة[3].وفي رواية للنسائي: وكل ضلالة في النار [4].

وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ [5].

وفي صحيح مسلم: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد [6]

وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية قال: صلى لنا رسول الله ﷺ صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودّع، فأوصنا. فقال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة  [7].

وعن عبدالله بن مسعود قال: خطَّ لنا رسول الله ﷺ خطّاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سُبل على كل سبيل منها شيطان، يدعو إليه .ثم تلا : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [8] .

ولما قيل لعبد الله بن مسعود : إن في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هلّلوا مائة، فيهلّلون مائة، فيقول سبحوا مائة فيسبحون مائة، وقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا: يا أباعبدالرحمن، حصى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد. قال: فعدُّوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبْلَ وآنيته لم تُكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة.قالوا: يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير.قال: وكم من مريد للخير لم يصبه، إن رسول الله ﷺ حدثنا أن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيَهم، وايْم الله، لا أدري لعل أكثرهم منكم.ثم تولى عنهم.قال عمرو بن سليمة: رأينا عامة أولئك يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج [9].

وعن الحسن ــ رحمه الله ــ  قال: سنتكم والله الذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما بقي الذين لم يذهبو مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا "[10].

أيها المسلمون: هذه النصوص التي سمعتم تدل على أن المسلم يجب عليه أن يحذر كل الحذر من أن يتعبد لله بالبدع، وفي ما شرعه الله في كتابه أو على لسان رسوله الله ﷺ غُنية وكفاية عن البدع والمحدثات في الدين .

ومن البدع المحدثة في شهر رجب: صلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة بين العشاءين أول خميس من رجب ليلة أول جمعة في شهر رجب، وكذلك صيام هذا اليوم أول خميس من رجب.قال النووي ــ رحمه الله ــ : هذه الصلاة بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضلل فاعلها، أكثر من أن تحصر والله أعلم.ا.هـ[11]،وقال: هذه الصلاة بدعة مذمومة منكرة قبيحة، ولا يُغتر بذكرها في كتاب قوت القلوب والإحياء.ا.هـ [12]، وحكى عن الإمام الطرطوشي وعن البرهان الحلبي وغيرهم القول بوضعها، وقد ألف لها الإمام أبوشامة كتاباً سماه " الباعث على إنكار البدع والحوادث " بيَّن فيها بطلانها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ  في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم": " يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً، ولم يكن له ذكر في وقت السلف، ولا رجى فيه ما يوجب تعظيمه، مثل أول خميس من رجب وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، ورُوي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء مضمونه فضيلة صيام ذلك اليوم، وفعل هذه الصلاة المسماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم، والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم وعن الصلاة المحدثة، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة وإظهار الزينة ونحو ذلك، حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام، وحتى لا يكون له مزيّة أصلاً، وكذلك يوم آخر في وسط رجب تصلى فيه صلاة أم داود، فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلاً " [13] .اهـ.

وكل حديث في صلاة أول رجب أو وسطه أو آخره فغير مقبول لا يعمل به ولا يلتفت إليه.

  1. ^ صحيح مسلم ، كتاب الإيمان (50).
  2. ^ صحيح مسلم ، كتاب الإيمان (50)مكرر.
  3. ^ صحيح مسلم ، كتاب الجمعة (876).
  4. ^ سنن النسائي ، كتاب صلاة العيدين (1578).
  5. ^ سبق تخريجه.
  6. ^ سبق تخريجه.
  7. ^ روا الإمام أحمد في المسند،برقم (17145)، وأبو داود في السنن، كتاب السنة(4607)، والترمذي في السنن، أبواب العلم(2676)، وابن ماجه في السنن، كتاب الإيمان وفضائل الصحابة(43).
  8. ^ روا الإمام أحمد في المسند،برقم (4142)، وابن ماجه في السنن ، كتاب كتاب الإيمان وفضائل الصحابة (11)، والنسائي في الكبرى(11109).
  9. ^ سنن الدارمي ، المقدمة (120).
  10. ^ سنن الدارمي ، المقدمة (222).
  11. ^ شرح صحيح مسلم للنووي (8/20).
  12. ^ المجموع للنووي، (4/56).
  13. ^ اقتضاء الصراط المستقيم (ص 292-293).
logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد