شعار الموقع

فضل شهر محرم وفضل يوم عاشوراء

00:00
00:00
تحميل
299

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي فاضل بين الشهور والأيام، وجعل شهر المحرم من أفضلها فهو شهر حرام، أحمده سبحانه وأشكره، فضّل يوم عاشوراء على غيره بمزيّة الصيام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اختصّ بالتفضيل بعض الأزمنة والأمكنة لأسرار وحكم عظام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صام يوم عاشوراء وأمر الناس فيه بالصيام، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل التعبد لله بالصيام والقيام، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى الله بسلام، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الناس .. اتقوا الله تعالى وتمسكوا بما شرع الله لكم من الدين القويم، واشكروه على ما منَّ به عليكم من ملة أبيكم إبراهيم، وأطيعوا الله والرسول، فإن في طاعة الله السلامة والنجاة، وفيها الرِّفعة والعزة والجاه، واحذروا المعاصي فإنها توجب أليم العقاب ووبيل العذاب، ولا تأمنوا مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، واعلموا أن ممرّ الليالي والأيام، وكرّ الشهور والأعوام منذرٌ بتصرُّم الأعمار، ومؤذنٌ بالرحيل من هذه الدار، ومُقرِّب للبعيد، ومُبلٍ للجديد، وهادمٌ للقصر المشيد، سُنة ماضية, وحكمة بالغة، وعبرة لأولي الأبصار يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ   [غافر :39]، واعلموا أنكم لم تخلقوا لجمع المال، ولا للتفاخر والتباهي بالأموال والقصور والأولاد، والتطاول في الآمال، وإنما خلقكم الله لتعبدوه، وركّ‍ب فيكم العقول لتوحّدوه، وأنزل عليكم القرآن لتتبعوه، وأرسل إليكم الرسول لتطيعوه، فانهضوا لما خلقكم الله له، واعملوا صالحاً فسيجزى كل عامل بعمله، واعلموا أن أعمالكم لا تخفى عليه، وأنه الحاكم الذي لا معقّب لحكمه: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ  [غافر :17].

أيها المسلمون: اذكروا أيام الله لعلكم تتذكرون، اذكروا أيام الله بنصر أوليائه لعلكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذلان أعدائه لعلكم تتذكرون، إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان هو نصرٌ للحق، وإن خذلان الله لأعدائه وأخذ المتكبرين في كل زمان ومكان هو ذلّة للباطل ونعمة على المؤمنين إلى قيام الساعة، اذكروا الحادث العظيم الذي وقع في شهر محرم في يوم عاشوراء في زمان موسى ــ عليه السلام ــ حيث إهلاك الطاغية المتجبر المتكبر بالغرق، لقد أرسل الله موسى ـــ عليه وعلى نبينا وإخوانهما من النبيين والمرسلين أفضل الصلاة والسلام ــ إلى فرعون ملك مصر، بالآيات والبراهين، ودعاه إلى توحيد رب الأرض والسموات، ولكنّ فرعون تكبّر عن الحق، فأنكر الرب العظيم الذي قامت بأمره الأرض والسموات، وادَّعى الربوبية والألوهية فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى[النازعات:24]، يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فأهلكه الله وجنوده بالغرق، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النازعات:26]، وكان من قصة إغراقهم: أن الله أوحى إلى موسى أن يَسري بقومه ليلاً من مصر متجهاً إلى البحر الأحمر، فاهتمّ لذلك فرعون اهتماماً عظيماً، فأرسل في جميع مدائن مصر أن يُحشر الناس للوصول إليه - لأمر يريده الله - فلما جمعهم خرج بهم في إثر موسى: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء :61]، البحر أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعون وقومه خلفنا، فإن وقفنا أدركنا، فقال موسى: كلا؛ إنكم لستم بمدركين إن معي ربي سيهدين، فلما بلغ موسى البحر أمره الله أن يضربه بعصاه فضربه، فانفلق البحر اثني عشر طريقاً يبساً، وصار الماء السيّال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين، وتكامل فرعون وجنوده داخلين، أمر الله البحر أن يعود إلى حالته، فانطبق على فرعون وجنوده، فكانوا من المغرقين، فذهبت أجسامهم للغرق وأرواحهم للنار والحرق.

أيها المسلمون: انظروا ــ رحمكم الله ــ إلى ما في هذه القصة من العبر والآيات، كيف كان فرعون يُقتِّل أبناء بني إسرائيل خوفاً من موسى ؟ فتربَّى موسى في بيته تحت حجر امرأته، وكيف قابل موسى هذا الجبّار العنيد معلناً بالحق هاتفاً به ؟ فأنجاه الله منه، وكيف كان الماء السيّال شيئاً جامداً كالجبال بقدرة الله، والطريق يبساً لا وحل فيه في الحال، وكيف أهلك الله هذا الجبار العنيد بمثل ما كان يفتخر به: قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف :51]، فأهلك بالماء، ولا شك أن ظهور آيات الله في مخلوقاته نعمةٌ كبرى يستحق عليها الحمد والشكر خصوصاً إذا كانت في نصر أولياء الله وحزبه، ولهذا لما قدم النبي ﷺ المدينة وجدوا اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر محرم ويقولون إنه يوم عظيم نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه.فقال النبي ﷺ: فنحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه [1]. وسئل النبي ﷺ  عن صيامه فقال: أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبلها[2].

وينبغي للمسلم أن يصوم العاشر ويوماً قبله أو بعده لتحصل بذلك مخالفة اليهود التي أمر النبي ﷺ بها في قولـه: صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، خالفوا اليهود[3].وفي رواية: أنه قال: لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع مع العاشر [4].

وذكر ابن القيم[5]  ــ رحمه الله ــ  أن مراتب صيام عاشوراء ثلاثة:

أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم: لما روى ابن عباس عن النبي ﷺ صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا يوما قبله ويوماً بعده.

الثانية: أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث.

الثالثة: إفراد العاشر وحده بالصوم.ا.هـ

وعن أبي قتادة الأنصاري أن النبي ﷺ قال: صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.أخرجه الترمذي[6].

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ،

وبعد:

أيها الناس: اعلموا أنكم قد استقبلتم عاماً جديداً وشهراً مفضلاً حميداً، أضافه نبيكم ﷺ إلى الله، فقال: أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم[7]. فاتقوا الله وعظموا حرمات الله، وتذكروا حين يمر بكم ذكر الهجرة النبوية ماضي سلفكم المجيد، وفخارهم الخالد الذي بنوه بصبر وتحمّل وتضحية بالأموال والأوطان والأنفس، تذكروا ذلكم دائماً، وخذوا منه قدوة حسنة ومثلاً أعلى في إخلاص العمل لله وحده، والتفاني في إعزاز دينه ونصرة شرعه في الصبر والثبات والتحمّ‍ل في مطاردة الضعف والخور والاستكانة، في بذل أوثق الأسباب مع صادق الإيمان وخالص التوكل، وقوة العزم والثقة بالله والحفاظ على حدوده.

واعلموا أن تكفير صيام عاشوراء للسيئات مشروط باجتنباب الكبائر كما قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء :31]، ولقولـه ﷺ الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفّارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر[8].

  1. صحيح البخاري ، كتاب الصوم (2004)، صحيح مسلم ، كتاب الصيام (1130).
  2. صحيح مسلم ، كتاب الصيام (1162).
  3. سبق تخريجه.
  4. سبق تخريجه.
  5. أنظر زاد المعاد (2/ 72).
  6. سنن الترمذي ، أبواب الصوم (752)
  7. رواه بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند ، برقم (8026)، وابن ماجه في سننه ، كتاب الصيام (1742).
  8. صحيح مسلم ، كتاب الطهارة (233).
logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد