الحمد لله الذي حرَّم على هذه الأمة أن تعمل عمل قوم لوط، لما فيه من هدم الأخلاق والانحطاط والسقوط، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر عباده بالطهر والعفاف حتى لا تتلطخ جوارحهم بالقول والعمل المغلوط، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أمر بقتل اللوطية منعاً للأخلاق عن التردي والسفول والهبوط، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان الراهبين لربهم بلا يأس ولا قنوط، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن جريمة اللواط من الفواحش العظيمة التي بلغت في البشاعة والشناعة على أن استغرقت أنواع الفحش ؛ ولهذا سماها الله إسرافاً، فقال تعالى حكاية عن لوط عليه السلام: وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف :80-81]، وتوعّد الله من يفعل هذه الجريمة والفاحشة العظيمة أن يحَل به ما حل بقوم لوط من النقمة والعذاب فقال تعالى عن قوم لوط: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّك ثم قال: وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ[هود :82-83] المعنى: وما هذه النقمة وهي الحجارة التي أُمطرت على قوم لوط ببعيد ممن تشبّه بهم في ظلهم وفعل مثل فعلهم، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن اللوطي يُلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فُعل بقوم لوط، وقد ألقى أمير المؤمنين عليّ لوطياً من شاهق على رأسه، وذهب بعض أهل العلم إلى أن اللوطي يُقتل سواء كان محصناً أو غير محصن، لما روى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به[1]، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن اللوطي كالزاني فإن كان محصناً رُجم بالحجارة حتى يموت، وإن لم يكن محصناً جلد مائة جلدة وغرّب عاماً، وذهب بعض الصحابة إلى أن اللوطي يحرّق بالنار منهم أبوبكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير وخالد بن الوليد ، وحرّق أبوبكر رجلاً يُسمّى الفجاءة حين عمل عملَ قوم لوط، وكتب أبوبكر إلى خالد بن الوليد أن يحرّق بالنار من فعل ذلك، وأحرق بن الزبير من فعل ذلك في زمانه.
أيها المسلمون: إن جريمة اللواط فيها من المفاسد والمضار الخلقية والدينية والاجتماعية ما يكفي بعضها لتحريمها وبُعد العاقل عنها، فكيف بالمسلم ذي الخلق والمبدأ والعقيدة ؟
إن هذه الجريمة تنطوي على هذه الأمور وإليكم شيئاً من ذلك:
منها أن جريمة اللواط فاحشة عظمى من أعظم أنواع الفحش، فارتكابها وقوع في فحش عظيم.
ومنها أن مرتكبها متجرئ على حرمات الله متعرّض لسخطه وأليم عقابه.
ومنها أن مرتكب جريمة اللواط مرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر، ومرتكب الكبيرة متوعد بوعيد شديد بالعقوبة والعذاب والهوان.
ومنها أن ارتكاب هذه الجريمة هدمٌ للأخلاق الفاضلة.
ومنها أن مرتكبها قد ذهب منه الحياء وماء الوجه.
ومنها أن مرتكبها قد دنَّس عرضه وشوَّه سمعته.
ومنها أن مرتكب جريمة اللواط جانٍ على الإسلام وعلى حرماته.
ومنها أن مرتكب جريمة اللواط جانٍ على أقاربه بتشويه سمعتهم وخدش كرامتهم وإلصاق العار بهم.
ومنها أن مرتكب هذه الجريمة جانٍ على أقارب المفعول به وملحقٌ للعار بهم.
ومنها أن جريمة اللواط شذوذ في الأخلاق وخروج عن مستوى الإنسانية بل الحيوانية إذ إن كثيراً من الحيوانات تأنفها وتأباها .
ومنها أن مرتكب جريمة اللواط قد انتكست فطرته وعميت بصيرته.
أيها المسلم: جدير بك وقد أنعم الله عليك بنعمة الإسلام أن تُحذِّر وأن تَحذر كل الحذر من الوقوع في هذه الفاحشة ــ فاحشة اللواط ــ المستخبثة شرعاً وعقلاً وفطرة، وأن تبتعد عن الأسباب الموصلة إليها فإنها شنعاء، إنها جريمة نكراء، إنها فساد في الأخلاق، إنها دعارة، إنها فسادٌ في التصور، إنها انحراف عن الفطرة، إنها خروج عن المألوف، إنها وضع الشيء في غير موضعه، إنها قذارة، إنها قضاء على المروءة، إنها قضاء على الشهامة، إنها إذهاب للرجولة، إنها ذهاب للحياء، إنها قضاء على الاحتشام والستر، إنها تزعزع العقيـــدة الإسلامية وتضعفهـــا وقد تقضي عليهــا، إنها تميت الغَيْرَة الدينية.
أيها المسلمون: إن إتيان النساء في أدبارهن هو اللوطية الصغرى وهو حرام بإجماع العلماء إلا قولاً شاذاً لبعض السلف، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله ﷺ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر أخرجه ابن حبان في صحيحه والترمذي في سننه والنسائي في الكبرى[2]، وصححه ابن حزم[3]، وقال الترمذي حسن غريب.
وعن علي بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى[4].
وعن علي بن طلق قال: نهى رسول الله ﷺ أن يُؤتى النساء في أدبارهن، فإن الله لا يستحي من الحق [5].
وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه[6].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ملعون من أتى امرأته في دبرها[7].
عباد الله: جريمة اللواط من أعظم الذنوب، تمنع غيث السماء، وتغضب الرب على المربوب، ويضيق بها الفضاء، وتعجّ لها السماء، وتنقطع به العرى، ويحل بها البلاء ومدلهمّات الخطوب، تموت به الفضيلة وتحيا به الرذيلة، سبحان الله !! كيف يقع رجلٌ على رجل ؟!! وهو يعلم ما في ذلك من مخالفة العقل والدين، وما فيه من مرض خطير وشرّ مستطير، هذا والله ما تترفع عنه طباع البغال والحمير، بل والكلاب والقردة والخنازير، وما ظهر اللواط في أمة إلا أذّلها الله وأخزاها وسلب عزَّها وأذاقها لباس الجوع والخوف، لقد أصبح الكثير يخاف على الصبيان والمردان من الغلمان أكثر من خوفه على البنات الشابات، فياللمصيبة، وياللويلات، ويا للمصائب والآفات التي تجرها جريمة اللواط، نسأل الله العافية والسلامة من كل سوء وقبيح، ونعوذ به من حال أهل الشقوة وكل خُلُق ذميم .
اللهم اجعلنا من الحافظين فروجهم والحافظات الذين أعددت لهم مغفرة وأجراً عظيماً إنك جواد كريم، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فتوبوا إلى الله، واستغفروه يغفر إنه هو الغفور الرحيم.
- ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (2732)، سنن أبي داود ، كتاب الحدود (4462)، سنن الترمذي، أبواب الحدود ( 1456)، سنن ابن ماجه ، كتاب الحدود (2561).
- ^ صحيح ابن حبان (10/267)،برقم (4418)، سنن الترمذي ، أبواب الرضاع (1165) ، سنن النسائي الكبرى (8/197) ، برقم (8952).
- ^ المحلى لابن حزم (9/ 221).
- ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (6967).
- ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (24009/36) ، وسنن الترمذي ، أبواب الرضاع (1164).
- ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (7648)، شعب الإيمان للبيهقي (7/275)برقم(4991).
- ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (9733)، سنن أبي داود ، كتاب النكاح (2162).