شعار الموقع
شعار الموقع

بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان

00:00

00:00

تحميل
198

الخطبة الأولى 

الحمد لله الذي أغنى عباده بشريعته عن الآراء والبدع في الدين، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك المعبود بحق في السموات والأرضين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده الله ورسوله، جعله الله على شريعة من الأمر فكان لها من المتبعين صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: 

أيها الناس، اتقوا الله تعالى.

عباد الله، يقول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال سبحانه أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وقال تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.

 وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ وفي صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله ﷺ كان يقول في خطبة يوم الجمعة أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

أيها المسلمون، هذه الآيات والأحاديث وما في معناها وهي كثيرة تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها وأتم عليها نعمته وأن النبي ﷺ قبل وفاته بلغ البلاغ المبين وبين للأمة ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال وأن ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى الإسلام فهو بدعة مردودة على من أحدثه ولو حسن قصده.

وقد عرف الصحابة وعلماء الإسلام بعدهم هذا الأمر فأنكر البدع وحذروا منها وصنفوا في تعظيم السنة وإنكار البدع كابن وضاح والطرطوشي وأبي شامة وغيرهم.

ومن البدع التي يحدثها بعض الناس بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيص هذه الليلة بشيء من العبادات وتخصيص يومها بالصيام وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه.

وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها.

أما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم.

ومن الأحاديث التي رووها في ليلة النصف من شعبان ما أخرجه ابن ماجه في سننه عن علي أن النبي ﷺ قال إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا.

ومنه حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ.

ومنه حديث أبي موسى أن رسول الله ﷺ قال إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ.

وهذه الأحاديث كلها أسانيدها ضعاف.

أيها المسلمون، ومما أحدث في ليلة النصف من شعبان الصلاة الألفية وتسمى صلاة البراء وتسمى الليلة ليلة البراءة أي ليلة النصف من شعبان إشارة إلى البراءة من النار أو الذنوب وهي يعني هذه الصلاة وهي مائة ركعة بالإخلاص عشرًا عشرًا بالجماعة.

قال الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بأبي شامة في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث الذي ألفه في إبطال صلاة النصف من شعبان وصلاة الرغائب في رجب في أول جمعة منه وهو كتاب نفيس قال رحمه الله: (فأما الألفية فصلاة ليلة النصف من شعبان سميت بذلك لأنه يقرأ فيها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ألف مرة لأنها ألف ركعة في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة وبعدها سورة الإخلاص عشر مرات وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع وللعوام بها افتتان عظيم والتزم بسببها كثرة الوقيد في جميع المساجد والبلاد التي تصلى فيها) والمراد بالوقيد هو إيقاد النار يوقدون النار تلك الليلة (والتزم بسببها كثرة الوقيد في جميع المساجد والبلاد التي تصلى فيها ويستمر ذلك كله ويجري فيه الفسوق والعصيان واختلاط الرجال بالنساء ومن الفتن المختلفة ما شهرته تغني عن وصفه وللمتعبدين من العوام فيها اعتقاد متين وزين الشيطان لهم جعلها من أجل شعائر المسلمين.

وأصل هذه الصلاة ما حكاه الطرطوشي في كتابه وأخبرني به أبو محمد المقدسي قال لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يعرف بأبي الحمراء وكان حسن التلاوة فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ثم انضاف إليهما ثالث ورابع فما ختمها إلا وهم جماعة كثيرة ثم جاء في العام القادم وصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا) ا.هـ.

قال العلامة الشوكاني رحمه الله في الفوائد المجموعة ما نصه: (حديث: ((يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  عشر مرات إلا غفر الله له كل حاجة...)) إلى آخره هو موضوع يعني مكذوب على النبي ﷺ وفي ألفاظه المصرحة ما يناله فاعلها من الثواب ما لا ينثني إنسان لتصه تمييز في وضعه) يعني ما يشك إنسان في كذبه ورجاله مجهولون وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل.  

وقال في المختصر: (حديث صلاة النصف من شعبان باطل ولابن حبان من حديث علي إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا. ضعيف).

وقال في اللآلئمائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات مع طول فضله للديلمي وغيره موضوع وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء، قالواثنتا عشر ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة موضوع وأربع عشرة ركعة موضوع

وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب الإحياء وغيره، وكذا من المفسرين، وقد رويت صلاة هذه الليلة أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة، كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه ﷺ إلى البقيع، ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم كلب، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها لا ينافي في كون هذه الصلاة موضوعة على ما فيه من الضعف حسبما ذكرنا).

وقال الحافظ العراقي رحمه الله:  (حديث صلاة ليلة النصف موضوع  على رسول الله ﷺ وكذب عليه).

وقال الإمام النووي في كتابه المجموع: (الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة  هاتان الصلاتان بدعتان  منكرتان، ولا يُغتر بذكرهما في كتاب "قوت القلوب" و"إحياء علوم الدين"، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يُغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط  في ذلك).

وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه "الحوادث والبدع": (وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال:  ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى  حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على ما سواها. 

وقيل لابن أبي مليكة: إن زيادا النميري يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته وكان زياد قاصًّا) ا.هـ.  

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا البدع والحدث في دين الله وتمسكوا بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ تفلحوا وتربحوا وتكونوا من أحباب الله يقول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الخطبة الثانية 

أما بعد: 

أيها الناس اتقوا الله تعالى وتقربوا إلى الله بما شرع في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ واحذروا أن تتعبدوا لله بالبدع فتبعدكم من الله ولا تقربكم منه.

أيها المسلمون، قد ورد النهي عن تخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام فعن أبي هريرة قال قال رول الله ﷺ لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ أخرجه الإمام مسلم.

فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ فلما حذر النبي ﷺ من تخصيصها بقيام من بين الليالي دل ذلك على أن غيرها من الليالي لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص كما دل الدليل على شرعية قيام ليلة القدر وليالي رمضان والاجتهاد فيها وفعل ذلك النبي ﷺ بنفسه وحث الأمة على قيامها.

قال الحافظ ابن حجر في كتابه تبيين العجب: (وأما حديث عائشة رضي الله عنها ((ما رأيت رسول الله ﷺ أكمل شهرا قط إلا رمضان وما رأيت أكثر صياما منه في شعبان)) فظاهره فضيلة الصوم في شعبان على غيره لكن ذكر بعض أهل العلم أن السبب في ذلك أنه كان ﷺ ربما حصل له الشغل عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر بسفر أو غيره فيقضيها في شعبان فلذلك كان يصوم في شعبان أكثر مما يصوم في غيره، لأن لصيام شعبان فضيلة على صيام غيره. 

ومما يقوي هذا التأويل ما رواه أبو داود وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا وفي رواية فَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ وفي رواية إِذَا دَخَلَ النِّصفُ مِن شَعبَانَ فَأَمسِكُوا عَنِ الصِّيَامِ وقد ذكر بعض أهل العلم أن معنى هذا النهي للمبالغة في الاحتياط لئلا يختلط برمضان ما ليس بغيره ويكون هذا بمعنى نهيه ﷺ أن يتقدم أحد رمضان بيوم أو يومين). 

فاتقوا الله عباد الله وتقربوا إلى الله بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ.

وعلى إخواننا الوافدين في هذه البلاد أن ينبهوا أهاليهم وأهل بلادهم عن هذه البدع وينصحوهم ويبينوا لهم السنة حتى يكون لهم مثل أجورهم فإن من علم أحدا فاستفاد منه فله مثل أجره. 

فاتقوا الله عباد الله وادرسوا كتاب ربكم وسنة نبيكم محمد ﷺ ادرسوهما وتعلموا معانيهما وتفقهوا في أحكامهما وتحاكموا إليهما وحكموهما في كل شأن من شؤونكم حتى تكونوا أعزاء في الدنيا وسعداء في الآخرة. 

logo
2024 م / 1445 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد